طارق ترشيشي
هل اقتربت الأزمة بين الأكثرية والمعارضة من حافة التوافق أو الانفجار؟ هذا السؤال مطروح بقوة بعدما رمت الأكثرية بكرة المحكمة في ملعب الأمم المتحدة التي ردّت بدعوة وجّهها أمينها العام بان كي مون إلى أطراف الأزمة للتوافق على نظام هذه المحكمة في المؤسسات الدستورية وفي إطار الحوار اللبناني، معلناً إيفاد مستشاره القانوني نيكولا ميشال إلى لبنان لمساعدتهم على التوصل إلى اتفاق على المحكمة. وقد اُعطي هذا الموقف الدولي تفسيران:
الأول، أن الأمم المتحدة تحبذ أن تقرّ المحكمة بتوافق لبناني، ولا ترى أن الوضع اللبناني تنطبق عليه الحالة التي تفرض إقرار المحكمة تحت الفصل السادس أو السابع، فهو يعيش أزمة ناتجة عن صراع سياسي وليس دولة مفككة ومعطلة، حتى تحتاج إلى رعاية دولية مباشرة.
الثاني، أن الأمم المتحدة بإيفادها ميشال، إنما تريد إعطاء «فرصة أخيرة» لطرفي الأزمة لكي يتوافقا على إقرار نظام المحكمة في المؤسسات الدستورية، قبل إقراره تحت الفصلين السادس أو السابع.
وتقول أوساط في الأكثرية أن مجيء ميشال إلى لبنان، ومن ثم زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر سلطانوف وزيارة بان لسوريا، كل ذلك الغاية منه تذليل العقبات القانونية والسياسية التي تعترض إقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية قبل انتهاء العقد التشريعي العادي لمجلس النواب في 31 أيار المقبل، وإذا لم تنجح هذه المساعي فإن مجلس الأمن سيعمد إلى إقرار المحكمة. وتضيف هذه الأوساط أن سلطانوف «آت إلى بيروت ودمشق ليبلغ المسؤولين بوجوب تذليل العقبات القانونية والسياسية التي تعوق إقرار المحكمة، لأن روسيا لا تستطيع أن تمارس حق النقض في مجلس الأمن ضد المحكمة إذا لم تقرّ في المؤسسات الدستورية اللبنانية».
لكن أوساط المعارضة تقول في المقابل، إنه لا إقرار للمحكمة خارج معادلة التوازي بينها وبين الحكومة، وتضيف أن أركان المعارضة الذين سيلتقون ميشال سيبلغونه هذا الموقف، بحيث يتم الاتفاق على تعديل مشروع المحكمة في ضوء ملاحظات المعارضة عليه، ثم إقراره في حكومة وحدة وطنية وترفع إلى رئيس الجمهورية فيوقّعها ويحيلها إلى مجلس النواب ليقرّها.
على أن الأوساط نفسها تربط تحريك الأكثرية لملف المحكمة في الأمم المتحدة بجملة معطيات توافرت لديها عن الموقف الدولي إزاء مستقبل الأوضاع في لبنان والمنطقة، وتروي أن وزيراً أكثرياً لبّى أخيراً، أثناء زيارته لواشنطن، دعوة السفير البريطاني فيها إلى عشاء شاركت فيه شخصيات لبنانية وعربية وأجنبية. وكان بين الحاضرين وزير بريطاني من أعضاء الخلية الأميركية ـــ البريطانية المشتركة الخاصة بالشرق الأوسط. وتركزت الأحاديث على احتمال إقدام الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية لإيران، فقال الوزير: «أخرجوا من أذهانكم احتمال الضربة العسكرية لإيران». وفنَّد الأسباب بالآتي:
أولاً، لأن الولايات المتحدة ليست لديها الجهوزية العسكرية اللازمة لتوجيه ضربة من هذا النوع.
ثانياً، إن الوضع السياسي الأميركي الداخلي لا يسمح لإدارة الرئيس جورج بوش بعمل كهذا.
ثالثاً، حتى الآن لم يطرح الأميركيون معنا أمر ضرب إيران، وإذا طرحوه لاحقاً فسيحصل نقاش أوروبي فيه أُفقه الرفض، وبريطانيا ترفضه لأنه عمل عسكري يورِّط أكثر ولا يحسم شيئاً، وبالتالي يكون مغامرة مضافة إلى مغامرة الحرب على العراق التي لم تكن محسوبة النتائج.
ولدى عودة الوزير الأكثري إلى بيروت، نقل ما قاله الوزير البريطاني إلى أركان في الأكثرية الذين رأوا أن على «قوى 14 آذار» أن تستعجل الوقت من أجل الاستفادة من الدعم الدولي الذي تحظى به للنفاذ بخياراتها لأن عامل الوقت بدأ يصب في مصلحة المعارضة.