دمشق ــ إبراهيم عوض
بان كي مون لن يسمع جديداً عن المحكمة وتساؤلات عن كيفية بقاء حكومة يثور نصف شعبها مطالباً برحيلها

المشهد في دمشق تطغى عليه أجواء انتخابات أعضاء مجلس الشعب المقرر إجراؤها في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، وصور المرشحين والمرشحات ولافتاتهم تغطي الشوارع والأزقة، وعدد كبير منها «تسلق» أعمدة الكهرباء وجذوع الشجر، كأن «العدوى» اللبنانية انتقلت إلى هنا، مع استثناء واحد هو «تحييد» جدران المباني والمؤسسات والمتاجر عن المشاركة في الحملة الانتخابية، وتهديد من يخالف هذا الأمر بدفع غرامات باهظة.
زائر العاصمة السورية اللبناني الآتي من ساحة المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة يشده المنظر فيجول بعينيه على وجوه المرشحين والمرشحات التي طبعت على ورق مصقول بالألوان وبمختلف الأحجام، وقد حرص أصحابها على الظهور بأبهى حلة وطلة.
وإذا كان القاسم المشترك بين العديد من هذه الصور هو اقتصارها على ذكر اسم المرشح والمرشحة، فإن بعضها القليل حمل شعارات لجذب المشاهد والناخب معاً، منها ما اعتمده النجم التلفزيوني خلدون المالح الذي ذاع صيته مع انطلاق تلفزيون الأبيض والأسود، إذ ضم إلى صورته رسماً لأم تحتضن طفلها كتبت تحته عبارة «المرأة أم الوطن» في محاولة واضحة لاستمالة أصوات الجنس اللطيف وجعلها تقترع له.
إلا أن اللافت في غابة الصور هذه هو تشابه أسماء عائلات شريحة كبرى من المرشحين مع أسماء عائلات لبنانية مثل المصري، الحمصي، الخضري، الزين، سويد، حداد، السّيد، دعبول، بكداش، مظلوم، حربا... وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد أشار في أحد أحاديثه الصحافية إلى أن من يتصفح دليل الهاتف في كل من سوريا ولبنان يتبين له كم هي كثيرة أسماء العائلات المتشابهة في البلدين، ما يدل على أواصر القربى التي تربط بين أفرادها بشكل أو بآخر. ومن هنا جاء قوله: «إن لبنان وسوريا شعب واحد في بلدين».
ويتزامن موعد الانتخابات النيابية في سوريا قبل يومين من وصول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إليها، ويؤثر المسؤولون السوريون معرفة ما يحمل الأخير في جعبته قبل الإجابة عن سؤال عما سيقولونه له.
وماذا عن موقف دمشق من المحكمة الدولية حين يثير المسؤول الدولي قضيتها لكونها إحدى الأولويات على جدول مباحثاته كما توحي بذلك الأنباء الواردة من نيويورك؟
«تكرار وجهة النظر السورية المعروفة ـــ تردُّ مصادر سورية متابعة ـــ التي تتلخص بعدم علاقة سوريا بهذه المحكمة، وخصوصاً أنها لم تستشر بشأنها»، مذكرة بما سبق أن أعلنه الرئيس بشار الأسد بأنه «في حال ثبوت ضلوع أي مواطن سوري بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري توجه له تهمة الخيانة العظمى وتجري محاكمته أمام القضاء السوري لا أمام أي قضاء آخر باعتبار أن هذه المسألة تتعلق بالسيادة». وتفيد المصادر نفسها بأن دمشق ستحيل من يطلب ملاحظاتها على المحكمة الدولية على المعارضة اللبنانية، قاطعة بذلك الطريق على من يحاول إقحامها في موضوع يعني اللبنانيين.
وإزاء إصرار فريق الأكثرية على اتهام سوريا بالوقوف وراء تعطيل إقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الطولي بناء على «أمر عمليات» صادر عنها يتولى حلفاؤها وأصدقاؤها اللبنانيون تنفيذه، رأت المصادر السورية المتابعة أن «كل ما يصدر عن هذا الفريق إنما يتم بتوجيهات وتعليمات من واشنطن وباريس، وقد بلغت المسؤولين السوريين معلومات تفيد بأن التدخل السافر للسفير الأميركي جيفري فيلتمان في الشؤون اللبنانية وصل إلى حد الطلب بتعيين هذا الموظف وإزاحة ذاك».
وتساءلت هذه المصادر: «لماذا لا يقدم فريق الأكثرية على رفض هذه الوصايات إذا كان راغباً فعلاً في الخروج من الأزمة وإنقاذ الوطن ويعمل على معالجة وضع حكومة متمسكة بموقعها في وقت يثور فيه نصف شعبها مطالباً برحيلها».
وتنفي المصادر السورية ما تردد في وسائل إعلام أجنبية عن طلب العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز من الرئيس بشار الأسد «إظهار نيات حسنة تجاه لبنان مقابل إعادة العلاقات السعودية ـــ السورية إلى طبيعتها»، ورأت أن هذه الأخبار «مفبركة ولم يعرها الجانب السوري أي اهتمام»، مؤكدة في الوقت نفسه «أن الرئيس الأسد عاد مغتبطاً من الرياض»، لافتة إلى «أن العلاقات بين البلدين أضحت أكثر من جيدة، وهي تدخل مرحلة جديدة من التفاهم والتعاون والتنسيق، وهذا ما سبق لوزير الإعلام السوري الدكتور محسن بلال أن توقعه في حديث إلى «الأخبار» قبل أشهر رغم «الغيمة» التي كانت تعتري هذه العلاقات حينذاك».
وأبدت المصادر السورية تفاؤلها بالدور الذي تقوم به المملكة لحل الأزمة الراهنة في لبنان، وذكرت أن دمشق تعوّل كثيراً على هذا الدور، مثنية على الجهود التي يقوم بها سفيرها في لبنان عبد العزيز خوجة واصفة مواقفه بـ«الحكيمة والرزينة».
وفيما شددت هذه المصادر على «أهمية المثلث العربي الذي يضم السعودية ومصر وسوريا وقدرته على مواجهة القضايا التي تشغل الساحة العربية، فضلاً عن تشكيله درعاً واقية أمام المخاطر التي تهدد المنطقة»، كشفت عن تحرك وشيك لهذا المثلث «من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الوضع العربي برمته، ويسهّل عملية إيجاد الحلول للعديد من الأزمات والمشاكل المشكوّ منها».