جان عزيز
مقاربة «القوات اللبنانية» موضوع انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، من زاوية الحرص على التمثيل المسيحي، كانت موضع تقدير وتثمين في مختلف الأوساط المسيحية، لما للمسألة من دلالات حول ما كان وسيكون، وسط الأزمة الوجودية الراهنة. ففي لغة تبسيطية واضحة، نقل «الموقع الرسمي الوحيد» لحزب «القوات» على شبكة انترنت، وفي صدر صفحته الأولى، قراءة مفادها الآتي:
عشرة آلاف مهندس اقترعوا تقريباً. بينهم 2700 سني، 2700 شيعي، 600 درزي ونحو 4 آلاف مسيحي. وتابعت القراءة المبسّطة نفسها، أن سنّة «تيار المستقبل» جيّروا نحو 70% من مقترعيهم للمرشحين المسيحيين من لائحتهم، أي نحو 1900 صوت. وجيّر الدروز الجنبلاطيون النسبة نفسها، أي نحو 420 صوتاً. ليكون المجموع 2320 صوتاً. ولما كان المرشح «القواتي» قد نال نحو 4900 صوت، وعلى قاعدة أنه لم ينل أي صوت شيعي، تكون نتيجة القراءة المذكورة أن هذا المرشح نال 2600 صوت مسيحي، أي ما نسبته 65% من المقترعين المسيحيين، ليكون المرشح «العوني» الفائز، قد انتخب بنسبة 35% فقط من أصوات المسيحيين، وقد حملته أصوات الشيعة.
التقدير والتثمين ذاتهما، حيال هذه المقاربة المسيحية، اقتضيا من المعنيين، مزيداً من التدقيق والتشريع. ليتبين أن الحساب «القواتي» الالكتروني، مشوب بالعديد من الملاحظات، أبرزها الآتي:
ــ لجهة الاقتراع السني، وقدرته التجييرية مسيحياً بالذات، يجمع الخبراء على أن القياس الأدق عملياً، هو المقارنة بالانتخابات النيابية لعام 2005. وتحديداً المقارنة بمواقع المواجهة الأشرس في حينه، التي تمثّلت في دائرتي الشمال. إذ تظهر الأرقام والإحصاءات الرسمية أن المقترعين السنّة في تلك المحافظة، الذين بلغوا نحو 80 ألف مقترع، أعطوا المرشح الماروني «الحليف» لهم، بطرس حرب، أكثر من 72 في المئة من أصواتهم. فيما لم يعطوا المرشح جبران باسيل إلاّ نحو 21 في المئة. ليتوزع الباقي بين الأصوات غير القابلة للحساب، بسبب التشطيب أو عدم اكتمال الأسماء المارونية على لوائح بعض المقترعين السنّة.
علماً أن هذه النسبة المتوسطة، ذهبت في المناطق السنية الأكثر حريرية إلى حدود أعلى. ففي المنية مثلاً نال حرب 16213 صوتاً، مقابل 3661 صوتاً فقط لباسيل. أي ما نسبته 81 في المئة للمسيحي المدعوم من «المستقبل»، في مقابل 18% فقط لخصمه.
ماذا تعني هذه المقارنة؟ إمّا أن تكون القراءة «القواتية» تحاول القول إن الحضور السنّي للجماعة الحريرية، قد تراجع في العامين الماضيين، من قدرة تجييرية تبلغ نحو 80% لصالح مسيحييهم، إلى 70% فقط في انتخابات المهندسين، وإمّا أن يكون الحضور «العوني» في الوسط السني قد تقدم في الفترة نفسها، وإمّا أخيراً أن تكون هذه القراءة خاطئة، بحيث يكون المرشح «القواتي» أمس الأول قد نال أكثر من 1900 صوت سني، والمرشح العوني قد حصد أقل من 800 سني.
ــ لجهة الاقتراع الدرزي. المقارنة القياسية نفسها لمعرفة صواب الحساب «القواتي»، تقتضي الانتقال إلى دائرة بعبدا عاليه، في الانتخابات الأخيرة نفسها. وفي هذا المجال، تسجل الإحصاءات الرسمية أيضاً أن المرشح «العوني» في هذه الدائرة، حكمت ديب، نال نحو 10 آلاف صوت درزي فقط، في مقابل نحو 49 ألف صوت درزي، حصدها المرشح «القواتي» يومها، الراحل إدمون نعيم. ما يعني أن التجيير الدرزي الجنبلاطي أعطى حلفاءه المسيحيين نحو 78 في المئة من أصوات المقترعين الدروز (نحو 62500 مقترع درزي في الدائرة المذكورة) فيما التجيير الدرزي المضاد لم يعط العونيين إلاّ نحو 16 في المئة.
ومرة جديدة، يتبيّن أن القراءة القواتية «الهندسية» تظهر إمّا أن جنبلاط تراجع درزياً، وإمّا أن عون تقدم نحو ضعفي حضوره الدرزي خلال عامين، وإمّا أن يكون المرشح القواتي قد نال أصواتاً درزية أمس الأول، تفوق 420 صوتاً. ومنافسه العوني أقل بكثير من الـ180 الباقية.
ــ لجهة الاقتراع الشيعي. يشير الخبراء في هذا السياق إلى أن أي مقارنة بنتائج انتخابات 2005، لا يمكن تطبيقها. ذلك أن الثنائي الشيعي «أقفل» ساحته الانتخابية في حينه، ولم تسجل أي مواجهة شيعية ــ شيعية: يمكن القياس عليها. غير أن اعتبار القراءة القواتية نفسها، أن المرشح المسيحي على اللائحة الحريرية لم ينل أي صوت شيعي من أصل 2700 مقترع شيعي، هو إقرار ضمني بالإفلاس الكامل لأسماء شيعية كبيرة ضمن التحالف الحريري، بينها نائبان بارزان، ومفتٍ علّامة، وحتى رئيس لتيار شيعي حرّ، باتت زياراته إلى المقامات تحظى بالتغطية نفسها لجولات جيفري فيلتمان. فهل يعقل ألا يكون لهؤلاء أي مناصر شيعي من بين 2700 مهندس شيعي اقترعوا؟
ما يعني ثالثاً، أن المرشح «القواتي» نال أول من أمس أكثر من «صفر» من الأصوات الشيعية، والمرشح «العوني» نال بالتأكيد أقل من 2700 صوت شيعي.
محصّلة الملاحظات الثلاث، تشير إلى أن المسيحيين اقترعوا في نقابة المهندسين، لمصلحة مرشحي ميشال عون بنسبة تراوح بين 62 و64 في المئة، رغم القراءات المغايرة.
يبقى التقدير والتثمين ذاتهما واجبين حيال القراءة «القواتية» نفسها. فهما يلفتان مجدداً إلى اللاشرعية التمثيلية المسيحية لـ37 نائباً مسيحياً في تحالف 14 آذار، وهو التحالف الذي يضم إلى جانب هؤلاء 34 نائباً من السنّة والشيعة والدروز، وهو بقيادة سعد الدين الحريري.