الهرمل ــ رامي بليبل
لدى وصولك إلى مشارف مدينة الهرمل، ومن منطقة «عقبة البلاط» يجول نظرك على النهر المنساب يشق الغطاء الأخضر مضيفاً إلى جمال الطبيعة بريق انعكاس أشعة الشمس في مائه المتدفق متحدياً كل الظروف وأحواض السمك تنتشر على ضفتيه.
سمك الترويت ذو القيمة الغذائية المرتفعة يتسابق إليه الأوروبيون وسكان أميركا الشمالية وآسيا الشرقية، ولا سيما اليابانيون، أما اللبنانيون فلا يستهلكونه إلا في المناسبات والرحلات، علماً بأنه خال من الملوثات، حيث أكدت الأبحاث العلمية أنه لا يعيش إلا في مياه نقية، فكيف بالعاصي الذي تمنى أكثر من خبير أوروبي انسيابه في بلده بسبب مياهه «النوعية» لأفضل ترويت في العالم.
ووسط يأس الهرمليين من وعود دولتهم العرقوبية بالتنمية منذ سنوات، مدَّ بعضهم نحو ما بدا لهم غصناً أو سترة نجاة فاستدانوا وباعوا بعضاً من أراضيهم وبنوا مزارع لتربية وبيع سمكة الترويت، آملين بسياسة اقتصادية تلحظ الإنماء المتوازن وبعضاً من مقومات السياحة والتنمية المستدامة، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم يسعون وراء سراب، «سلوتهم» في ذلك ما يتميز به النهر وبالتالي «إنتاجهم» من نقاوة وخلو من الملوثات، وغنى بالأوكسيجين، وغزارة في التدفق، ونسبة عالية في البرودة، وتميز بدرجة الحموضة، ووفرة بالمعادن، وسلبيّة في الكلس والجراثيم والأوبئة، فهي صالحة للشرب، فكيف بتربية الأسماك؟
يقول نقيب مربي الأسماك في البقاع شرف الموسوي: «لا تعيش سمكة الترويت إلا في مياه نظيفة، ولو أن في العاصي أياً من الملوثات فلن ترى على ضفافه فرخاً واحداً»، وقد قامت النقابة بفحص الفراخ التي نفقت من جراء قصف تموز في مختبرات متخصصة وأجرت عليها زراعة مخبرية أثبتت نتائجها أنها خالية من كل تلوث، وما نفوق بعض الفروخ حينها إلا بسبب الضغط الذي أحدثته ارتجاجات المياه «أما حالات النفوق الحاصلة أخيراً لدى البعض فهي عائدة إما لسوء إدارة المربين لجهة عدم تأمين كمية المياه المطلوبة للسمك أو للاستهتار في مواعيد وجبات التغذية فقط وليس لتلوث في المياه.
ولحظ أن نوعية الأعلاف التي تستخدم في تغذية السمك هي مطابقة للمواصفات العالمية المحافظة على المياه، فالمزارعون يشترون أعلاف أسماكهم من الدول الأوروبية المهتمة بالمجال البيئي، كما أن هناك مراقبة جدية من النقابة بالتعاون مع المعنيين في وزارة الصحة، وهناك جولات ميدانية مستمرة لكل المسامك التي نؤكد أنها صحية وسليمة.
واستغرب حيدر قانصوه صاحب شركة «بيو أكوا» ما جاء على صفحات بعض الصحف التي بنشرها للمعلومات المغلوطة إنما تسيء إلى النهر وأهله، معيداً ذلك إلى ارتباط وثيق بذهنية تعمد نزع السمعة الحسنة عن العاصي بشهادة آلاف السياح والخبراء وكل من تذوق سمك الترويت من أجل نقلها إلى أماكن أخرى ترتبط بأشخاص آخرين، علماً بأن الفحوص أكدت نظافة النهر وهو المصدر الوحيد لأهالي المنطقة، مشيراً إلى أن ما يملكه من تجارب وخبرات وما تنقله الوفود الأجنبية التي تأتي لزيارة أحواض العاصي يؤكد مثالية النهر، ما رشحه ليكون البيئة المائية الوحيدة الصالحة لهذا النوع من السمك، فهو بحاجة إلى مواصفات محددة لا توجد إلاّ في العاصي.
ودعا قانصوه وسائل الإعلام والمهتمين من جمعيات بيئية وصحية وغذائية إلى زيارة المدينة ونهرها والتأكد بأم العين من هذه الحقائق. ويلفت محمد صعب أحد مربي الأسماك إلى أن أحواضه تمتلئ بالأسماك وبالفروخ الجديدة التفقيس، وهي بحالة جيدة ولم يُسجَّل عنده نفوق أي فرخ بسبب التلوث المزعوم.
يبقى أن نشير إلى أن هذا النهر العصي على الجغرافيا ينتظر في أيام صيف قادمة زواره، فيما تبقى مسؤولية مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ووزارة الصحة العامة في إجراء فحوصات دورية على سمك العاصي دحضاً للشائعات وللتأكيد على أن نهر العاصي عصي على التلوث.