انطوان سعد
تتركز النقاشات في الأوساط المسيحية السياسية والحزبية والكنسية على تصور موحَّد لقانون الانتخاب. ومع أن التشاور بين الأطراف لا يتم في شكل مباشر، فإن ثمة توافقاً بينها يلوح في شكلين للتقسيمات الإدارية مع تبني الشق الإداري والتنظيمي للعملية الانتخابية الوارد في التصور الذي تقدمت به اللجنة الوطنية برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس التي كلفها مجلس الوزراء في آب عام 2005 وضع مشروع قانون للانتخابات النيابية.
أما الشكلان لتقسيم الدوائر اللذين يبدوان موضع توافق في الأوساط المسيحية فهما: اعتماد قاعدة النسبية في دوائر انتخابية متوسطة قائمة على تقسيم المحافظات إلى ثلاثة أقسام، أو قاعدة الأكثرية في دوائر انتخابية أصغر من القضاء.
والجدير بالذكر أن الشكلين مطروحان داخل كل مجموعة سياسية وحزبية مسيحية، وأن الجدال يدور حول تأثير كل منهما على الحياة السياسية اللبنانية في شكل عام وانعكاساته على مستقبل الدور المسيحي في لبنان في شكل خاص.
ويقدم كل فريق داخل كل مجموعة وجهة نظره من واجب اعتماد النسبية أو الأكثرية على الشكل الآتي:
ــــــ القائلون بالنسبية يقرون بأن الدائرة الصغيرة تؤمن صحة تمثيل في الانتخاب أفضل من النسبية، لكنهم يشيرون إلى أن هذه الأخيرة تحقق أمراً بالغ الأهمية، وهو إفساح المجال لتشكيل تعددية سياسية داخل كل طائفة. ويلفتون إلى أن ذلك سيخفف من حدة التشنج الطائفي لأنه لا يعود بإمكان فريق سياسي أن يختزل هذه الطائفة أو تلك، وبالتالي لا يتحول الخلاف على أي مسألة سياسية إلى أزمة مع مجمل الطائفة التي ينتمي إليها الطرف السياسي، كما هو حاصل اليوم. ويشير الداعون إلى اعتماد النسبية إلى أن النظام الانتخابي الأكثري ينطوي على معارك سياسية قاسية تؤدي إلى رابح وخاسر، ما يزيد في تفاقم الأحقاد والضغائن بين المجموعات السياسية المسيحية، فيما تؤدي الانتخابات على قاعدة النسبية إلى تمثيل كل قوة سياسية في مجلس النواب وفق حجم تمثيلها الشعبي. ويرى هؤلاء أيضاً أن تقسيم كل من المحافظات إلى ثلاث دوائر في شكل يتفادى وجود أقليات مسلوبة الحق في التمثيل الصحيح داخل كل دائرة انتخابية، من شأنه أن يوفر إمكان نهضة اقتصادية واجتماعية إذا ما اقترن باللامركزية الإدارية الموسعة التي نص عليها اتفاق الطائف.
ــــــ القائلون باعتماد النظام الأكثري يشيرون بداية إلى أن هذا النظام في دوائر صغيرة تؤمن صحة تمثيل أفضل من النسبية. لكن أهم ما يشددون عليه هو أن الأطراف السياسية غير المسيحية في الغالب هي أقرب إلى قبول هذه الصيغة منها إلى قبول تقسيم المحافظات إلى ثلاث دوائر واعتماد النسبية، ولا بد من أخذ الواقع السياسي الحالي بالاعتبار، إذ إن الفئات المتمتعة اليوم في المجلس النيابي بتمثيل الشيعة والسنة والدروز ستجد نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلين كبيرين في حال اعتماد النسبية: الأول مقاسمة تمثيل طوائفها مع القوى المنافسة لها داخل طائفتها، والتنازل الثاني خسارة الحصة التي تتمتع بها الآن من المقاعد المسيحية والتي تسيطر عليها منذ المقاطعة المسيحية لانتخابات عام 1992.
ويتساءل الداعون إلى اعتماد الدائرة الصغرى: «هل يمكن تصور ماذا يبقى من هذا الفريق أو ذاك إذا خسر قسماً من مقاعده لمصلحة حلفائه المسيحيين وقسماً لمصلحة خصومه من أبناء طائفته؟».
وإذا كانت الكلمة المسيحية النهائية لم تلفظ بعد بانتظار انتهاء النقاشات والدراسات والإحصاءات التي يجريها أكثر من طرف، ترى بعض الأوساط المسيحية أنه لا بد من التوقف عند مواقف الكتل النيابية المعلنة في الأيام الأخيرة من التقسيمات الانتخابية. رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيار المستقبل أعلنا للمرة الأولى موافقتهما على اعتماد القضاء، ومعروف أن الحزب التقدمي الاشتراكي يؤيد هذا الخيار بقوة. غير أن أوساطاً قريبة من الرئيس بري أعربت عن اعتقادها أمام أوساط قريبة من بكركي عن أن رئيس مجلس النواب لن يعارض فكرة تقسيم الأقضية الكبرى التي يفوق عدد مقاعدها النيابية الأربعة أو الخمسة. كما أن أركان التيار الوطني الحر لا ينفون معلومات متداولة تشير إلى أن أنهم تلقوا وعداً من «حزب الله» بدعم مشروع تقسيم الأقضية الكبيرة، إذا طالب التيار بذلك.
من هنا تتوقع أوساط مراقبة أن تتمخض المشاورات الجارية بين القوى المسيحية عن توافق على المطالبة باعتماد القضاء دائرة انتخابية شرط ألا يتعدى عدد المقاعد في كل منها أربعة أو خمساً.