نقولا ناصيف
تنظر قوى 14 آذار بكثير من الارتياح إلى مناوراتها السياسية. بعد تعطيلها سعي المعارضة إلى حكومة وحدة وطنية بثلث معطل، ثم سحبها مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري من التداول الداخلي وإحالته على مجلس الأمن، قفزت أخيراً إلى المناورة الثالثة في المواجهة التي هي انتخابات رئاسة الجمهورية. وذلك بأن حدّدت خيارها النهائي فيها من ضمن حدين:
ـــــــ أقصى، هو انتظارها المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، واجتماع نوابها الـ70 في مكان غير مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية من صفوفها. وقد يكون هذا المكان في منطقة يتعذّر على أفرقاء المعارضة تعطيل انعقاد جلسة الانتخاب فيها، إلا إذا أرادوا إحداث فوضى شاملة في البلاد.
وبحسب قطب بارز في قوى 14 آذار، فإن هذه حصلت على تأكيد سفراء أربع دول غربية وعربية معنية مباشرة بالوضع اللبناني، بأن حكوماتهم ستعترف بشرعية الرئيس الجديد فور انتخابه، وستتعامل معه تبعاً لذلك. الأمر الذي يؤدي إلى إتمام خطوة تأخرت سنتين ونصف سنة على الأقل، وهي انتخاب رئيس جديد للجمهورية ينبثق من إرادة قوى 14 آذار وخياراتها السياسية. بذلك تكتمل سلسلة الإمساك بالحكم عبر الرئاسة الأولى (والأهم فيها توقيع رئيس الجمهورية) ورئيس الحكومة والأكثرية المطلقة في مجلس النواب.
ويرمي تحقيق هذا الهدف، في سياق مواجهة سياسية، إلى توجيه ضربة قاسية إلى المعارضة، فتفيق على أمر واقع جديد لا قِبَلَ لها بإطاحته، هو وجود رئيس جديد للجمهورية، معترف بشرعيته الدستورية من الغالبية النيابية والمجتمع الدولي، وإن حيل ربما بينه وبين الوصول إلى قصر بعبدا. لكن ذلك يشير أيضاً إلى أن أي تسوية تجد المعارضة نفسها مرغمة على الانخراط فيها، بعد الانتخاب، تنطلق من تسليمها بالرئيس الجديد، وبأنه سيقود التسوية الجديدة معها على نحو لا يعرّض خيارات الفريق الذي ينتمي إليه ومصالحه لأي ضرر.
ــــــــ وأدنى، هو أن تتفادى المعارضة أمراً واقعاً مرّاً كهذا، بالدخول في تسوية مبكرة تنتهي باتفاق الطرفين على صفقة متكاملة تشمل ــــ إلى التفاهم على الرئيس الجديد ــــ ملفات العهد الجديد وأبرزها: أولى حكومات العهد وتوازن القوى السياسي والتمثيلي فيها، مصير سلاح حزب الله (يبدأ بضبطه ومراقبته وإخراجه من معادلة النزاع الداخلي توصلاً إلى حل مرحلي ينتهي بالتخلي عنه كلياً)، تنفيذ القرار 1701 كاملاً، المشروع الاقتصادي للحكم بما ينسجم ونتائج مؤتمر باريس 3.
لكن تعامل قوى 14 آذار مع الاستحقاق الرئاسي يستند، كذلك، إلى معطيات إضافية تعزّز مصادر قوتها، وأبرزها:
1 ــ أن أحداً ليس في وسعه التشكيك في التمثيل المسيحي، والماروني على الأخص، داخل قوى 14 آذار، على نحو يجعلها، فعلاً، هي أمّ الصبي، والمعنية بإجراء الاستحقاق الرئاسي في المهلة الدستورية، والحؤول دون أي سعي إلى إحداث فراغ دستوري. ومع الأخذ في الاعتبار خلو مقعد ماروني في المتن بسبب استشهاد النائب والوزير بيار الجميل، فمن النواب الـ70 في قوى 14 آذار، هناك 37 نائباً مسيحياً في مقابل 33 نائباً مسلماً، فيما الأمر معكوس في المعارضة التي يمثّل نوابها المسلمون (31 نائباً) الكفة الراجحة على النواب المسيحيين (26 نائباً). ومن النواب المسيحيين الـ37 هناك 18 نائباً مارونياً، فيما يبلغ عدد النواب الموارنة في المعارضة 15 نائباً من مجموع النواب المسيحيين الـ26. مما يفضي إلى القول إن الثقل المسيحي في قوى 14 آذار هو 8, 52 في المئة، في مقابل ثقل مسيحي في المعارضة هو 6, 45 في المئة.
حصيلة هذه الأرقام أن نسبة النواب الموارنة في قوى 14 آذار من مجموع النواب الموارنة الـ34 هي 9, 52 في المئة، في مقابل نسبة النواب الموارنة في المعارضة هي 11, 44 في المئة.
2 ــــــ تقارب قوى 14 آذار الخلاف على نصاب جلسة انتخاب الرئيس الجديد مع المعارضة، على أنها سياسية أكثر منها دستورية. مع أن وجهة النظر الغالبة بين أفرقاء هذه القوى أن الثلثين اللذين تشترطهما المادة 49 من الدستور هما نصاب اقتراع الدورة الأولى لا نصاب الحضور. وعملاً بهذا التفسير ستنتخب الغالبية الرئيس المقبل، مع العلم أن الاعتراف العربي والدولي بالرئيس الجديد سيمنحه الشرعية الدستورية التي يمكن أن تثير المعارضة غباراً سياسياً حولها.
وقد لا يكون مرشح قوى 14 آذار للاستحقاق، بالضرورة، جزءاً من التسوية، مبكرة أو متأخرة، ما دام أفرقاؤها متيقنين من سيطرتهم على إدارة استحقاق 2007.
3 ــــــ مع أن في المعارضة مرشحاً أوحد للاستحقاق هو الرئيس ميشال عون، تعرف قوى 14 آذار أن أكثر من نصف الأعضاء الموارنة فيها هم مرشحون. وقد تكون الأسماء الأكثر تداولاً بينهم، بعيداً عن مزاعم الزهد، هي الرئيس أمين الجميل والوزيرة نايلة معوض والنائبان بطرس حرب وسمير فرنجيه والنائبان السابقان نسيب لحود وفارس سعيد، وقد يكون في عدادهم ضمناً رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع. بيد أن الاسمين الأكثر جدية هما حرب ولحود. مع ذلك كله، ومهما يبلغ عدد المتحمسين للمنصب، فالرئيس سيكون واحداً. ولن يكون في وسع الآخرين إلا التسليم على مضض بالاختيار والمفاضلة لسبب بسيط، هو أن المنافسة لن تكون داخل قوى 14 آذار التي يقتضي أن تذهب إلى جلسة الانتخاب، بنوابها الـ70، ومعها مرشح واحد.
عندئذ فقط، يتعيّن على النائب فرنجيه ورئيس حزب الوطنين الأحرار دوري شمعون أن يذكّرا رفاقهما في قوى 14 آذار بالتحكيم الذي أداره الوزير السابق يوسف سالم، عشية 23 أيلول 1952 عندما اجتمع قطبا المعارضة المارونية كميل شمعون (والد دوري) وحميد فرنجيه (والد سمير) في منزله. وراء أبواب موصدة، أجريا وجهاً لوجه مراجعة للأصوات التي يملكها كل منهما في انتخاب اليوم التالي، الضامنة لفوزه. إلى أن تأكد لحميد فرنجيه أن منافسه اجتذب إليه أصواتاً أكثر من التي لديه بصوتين. لفتهما يوسف سالم إلى الحرج الذي يتسبب به تنافسهما وانتخاب رئيس للجمهورية بفارق صوتين فقط. سلّم الزعيم الزغرتاوي بتحكيم مضيفهما، وتنازل للزعيم الشوفي عن أصواته كي يُنتخب الرئيس الجديد بأوسع إجماع نيابي، وبالعدد الأوفر من الأصوات. كان شمعون المرشح الوحيد، وفاز من الدورة الأولى للاقتراع بغالبية 74 صوتاً من 76 كانوا قد حضروا الجلسة.
كان عدد هؤلاء عند افتتاح الجلسة أكبر بكثير من نصاب ثلثي أعضاء المجلس الـ77.