وفاء عواد
المقداد: آلاف العائلات رهينة الانتظار والأموال موجودة في «صندوق السنيورة»

ثمانية أشهر مضت على الحرب الإسرائيلية المدمّرة التي طالت الحجر والبشر، وما زالت عملية الإعمار تسير ببطء، وسط التضارب في المعلومات وحجم تقديرات الخسائر. وبالتالي، لا يمكن فصل الصورة السياسية المتشعبة والخلافات المستشرية عن موضوع إعادة الإعمار الذي نخرته السياسة حتى العظم.
وفي ظل واقع سباق النفوذ على لبنان، يذهب بعض مناطق البقاع «فرق عملة» في الصراع الدائر على تحقيق المكاسب السياسية وتسجيل «النقاط». فـ«كعكة» إعادة إعمار هذه المناطق، كما سواها في الجنوب والضاحية، مغرية في حسابات تستوجب، على ما يبدو، قيوداً وشروطاً اعتاد أهالي هذه المناطق رفض تقديمها إلى أجل غير مسمّى.
فبالأمس القريب، «أغفل» المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة في ردّه على البيان الذي أصدرته «كتلة الوفاء للمقاومة» ذكر ملفّات القرى البقاعية، في «جردة» حسابات لـ256 قرية ولـ63321 معاملة ولـ255 مليار ليرة، «من دون أي تبرير معلن، باستثناء إمكان أن يكون «غير المعلن» يرجع إلى كون هذه المناطق بعيدة عن الوسط التجاري» بحسب عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب علي المقداد، أحد المسؤولين عن متابعة هذا الملف.
وقد جاء بيان رئاسة الحكومة ردّاً على الاتهام الذي وجّهته الكتلة إلى السنيورة لـ«مصادرته» أموال المساعدات العربية والدولية، و«تحوير وجهتها لصرفها على المحاسيب والمنتفعين». وذلك، استكمالاً «لما سمّته إسرائيل سياسة العقاب ضد الشعب اللبناني».
وإزاء عدم ذكر تعويضات البقاعيين، في البيان الذي عاودت الكتلة إصداره، أول من أمس، بناءً على مقتضيات الردّ على الردّ، كشف المقداد لـ«الأخبار» أنه من أصل 5500 وحدة سكنية مدمّرة، كلياً أو جزئياً، وتحديداً في البقاع الشمالي وبعض قرى البقاع الأوسط، لم يتمّ «مسح» سوى 350 وحدة (بعلبك وبعض القرى المحيطة)، مشيراً إلى أن عملية الكشف «اقتصرت على ثلاث بنايات قابلة للهدم في بعلبك»، ما معناه أن هذه البنايات «حظيت بالموافقة على إعادة إعمارها من قبل اللجنة الفنية التي تضمّ ممثلين عن الهيئة العليا للإغاثة ووزارة المهجرين».
ولفت المقداد إلى أن 60 في المئة من الملفات «أنجزها حزب الله وأصبحت جاهزة منذ 6 أشهر»، والـ40 في المئة الباقية «أنجزت خلال الشهرين الفائتين»، مشيراً إلى أن كل الطلبات «موجودة في عهدة اللجنة المكلّفة من قبل وزارة المهجرين، منذ 3 أشهر».
وفي حلقة جديدة من «مسلسل» التقديرات، و«بعد أن أنجز حزب الله مسحاً كاملاً بالأضرار في كل المناطق البقاعية، كلّفت الدولة شركة خطيب وعلمي بالكشف الفني لمسح الأضرار»، في محاولة جديدة لـ«تمييع القضية والمماطلة فيها»، على حدّ تعبير المقداد. وذلك، من أجل «معاقبة المتضرّرين مرتين: مرة باستحضار العدوان، ومرة أخرى بعدم التعويض عليهم».
وفي إطار هذه الحلقة الجديدة، أشار المقداد إلى أنه «من أصل ملفات 600 وحدة سكنيّة تسلّمتها الشركة المعتمدة، منذ أكثر من 3 أشهر، لم يتمّ حتى الآن سوى الكشف، لا الدفع، على 126 وحدة متضرّرة جزئياً»، إضافة الى اقتصار الكشف على «البنايات الثلاث في بعلبك من أصل 350 وحدة سكنية مدمّرة بالكامل».
وبمعزل عن الأرقام وتفاصيلها، يشدّد المقداد على ضرورة عدم الفصل بين أسلوب التعاطي الحكومي مع ملف إعادة إعمار ما دمّر في البقاع، كما مع سواها في الجنوب والضاحية، والأساليب التي «أدمنت» تقصّد اعتمادها في الملفات الأخرى بغية «تأليب الناس على المقاومة، ودفعهم باتجاه رفع الصوت عالياً من عدم وجود من يساعدهم أو يهتم بهم»، علماً بأن «الأموال موجودة في صندوق السنيورة، وفي جيبه كل المفاتيح»، مؤكّداً أن «تعلّق اللبنانيين بالمقاومة ليس مادياً، وفكّ الارتباط معها لا تحدّده حفنة
دولارات».
وفي ظل هذا الواقع، يسترجع المقداد تفاصيل اللقاء الذي جمعه بوزير المهجرين نعمة طعمة، قبل استقالة الوزراء الشيعة في 11 تشرين الثاني 2006، فأكّد الأخير أن «أموال المساعدات مخصّصة للمتضرّرين جرّاء العدوان، وليست للحكومة»، بعيداً عن «تربيح الجميل»، مضيفاً: «نحن نعتمد اللوائح التي تصدر عن مؤسسة جهاد البناء، ولنا ملء الثقة في عملكم وإحصاءاتكم الدقيقة التي لا تشوبها أية شائبة».
ومن لقائه بالوزير طعمة، يستعيد المقداد تفاصيل لقاءاته المتكرّرة مع المدير العام للوزارة أحمد محمود، خلال الأشهر الفائتة، ليبدي أسفه لكون الأخير «يحذو حذو مسؤوليه». وفي هذا الإطار، يكتفي المقداد باستذكار جملة اعتاد محمود تكرارها إثر كل لقاء: «خلص. هذا الملف ملفّي، والبيوت بيوتي. سنعمل ليلاً نهاراً لإنجاز المطلوب».
وبعيداً من إجراءات المسح والكشف واللوائح، يذكر المقداد أنه طالب رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد، أكثر من مرة، بوضع بعض البيوت الجاهزة التي قدّمتها السعودية في بعلبك لإيواء بعض العائلات المحرومة من المأوى، وكان جوابه: «هيدا القرار يعود للسنيورة وحده. وأنا ما خصّني»، فسأله المقداد: «هل أنت موظف عند السنيورة، أم رئيس الهيئة؟». وعندها، «انزعج رعد، ولم يقدّم أي إجابة».
وإذ أشار إلى أن الحجّة الدائمة لدى المعنيين لم تتبدّل منذ أشهر، وهي: «درس الملفات»، غمز المقداد من قناة استثناء بسيط طاول بعض «المحظوظين» الذين قبضوا تعويضات في بعض القرى البقاعية، ممن هم «محسوبون على تيار المستقبل»، بعيداً عن اللوائح المعدّة ومقتضيات متابعتها «فوق الطاولة».
وبانتظار «الإفراج» عن مساعدات الدول المانحة، يؤكّد نائب بعلبك ـــ الهرمل أن «حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي متفرّجاً»، إذ إنه «يدرس جدياً كيفية التعاطي المستقبلي مع هذا الموضوع».