نقولا ناصيف
بعد اجتماعه بالمسؤولين والقادة اللبنانيين، التقى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال، الخميس، سفراء دول كبرى ومؤثرة في لبنان، واجتمع ببعضهم فرادى في إطار الاستماع إليهم. واستخلص هؤلاء الملاحظات الآتية عن حصيلة مهمته في بيروت التي استمرت ثلاثة أيام:
1 ـــــــ لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى الفصل السابع وإمكان إدراجه في مشروع المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكونه غير معني بالأمر، ولا يدخل في مهمته كمستشار تقني. ولا يُسقط ذلك بالضرورة هذا الاحتمال أو يستبعده نهائياً.
وخلافاً لما ساقه، تشجيعاً أو تهويلاً، طرفا النزاع اللبناني، فإن ما لمسه السفراء من ميشال هو أن الفصل السابع ليس بنداً مدرجاً في مهمته إلى بيروت.
2 ـــــــ لم يقفل الباب أمام إقرار مشروع المحكمة الدولية في المؤسسات الدستورية اللبنانية، إلا أنه بدا مهتماً بتأكيد فصل مشروع المحكمة الدولية عن أي نزاع سياسي آخر بين الأفرقاء اللبنانيين. ولذا قصر مهمته على جانب تقني بحت ناطه به الأمين العام بان كي مون. فلم يتسلح ميشال بالمعلومات الكافية والمسبقة عن كثير من المسائل المرتبطة بآلية عمل المؤسسات الدستورية اللبنانية.
3 ـــــــ اكتفى ميشال بتحديد الإطار العام لمهمته، وهو استكشاف وجهات نظر الأفرقاء اللبنانيين والاستماع إليهم، وفي الوقت نفسه تقديم الشروح القانونية المتصلة بالبنود المثيرة للجدل لدى بعض المتحفظين على مشروع المحكمة الدولية. وبحسب ما لمسه السفراء من المسؤول الدولي، بادر من تلقائه في بعض لقاءاته مع مسؤولين سياسيين وحزبيين لبنانيين إلى إيضاح بنود اعتقد أنها مصدر قلق هؤلاء، وخصوصاً ما يتصل بعلاقة المرؤوس بالرئيس والترابط بين الجرائم السابقة لاغتيال الرئيس السابق للحكومة أو التالية له، بغية التحقق من الاعتراضات وتقديم الشروح اللازمة لها، إلا أن وفد حزب الله لزم التحفظ.
4 ـــ بدا أن مهمة المسؤول الدولي قد حُمّلت أكثر مما ينبغي أن تحمل، خصوصاً أنه حرص على نفي أي طابع سياسي عنها. لا هو معني بتأكيد اعتماد الفصل السابع في مشروع المحكمة الدولية، ولا هو يملك الصلاحيات التي تجعله يقرّر ذلك. وخلافاً لزيارة نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر سلطانوف لبيروت ودمشق، ومن قبلها زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لبيروت وزيارته المرتقبة لدمشق قبل نهاية هذا الشهر، وهي كلها ذات طابع سياسي، فإن زيارة ميشال لا تعدو كونها مهمة تقنية. أما اعتماد الفصل السابع فيقرره مجلس الأمن.
لكن انطباعات أخرى خرج بها سياسيون معارضون كانوا قد التقوا ميشال، وأبرز هذه الانطباعات:
ـــــــ أنه تحدث عن تطمينات لا عن ضمانات يمكن أن تقدمها الأمم المتحدة للمتحفظين على مشروع المحكمة الدولية، منها تأكيده لوزير حزب الله المستقيل محمد فنيش أنها ستنحصر في كشف قتلة الحريري، لكن للقضاة أعضائها الحق في أن يتحققوا من وجود علاقة بينها وبين الجرائم الأخرى التي سبقتها أو تلتها. مع تشديده على أنه لا مفعول رجعياً لحوادث لا تتصل باغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية، أو بالتداعيات التي نشأت عنها.
ــــــــ رغم تركيزه على أن مجلس الأمن سيقر المحكمة إذا تعذّر إقرارها في لبنان وفق الآلية الدستورية اللبنانية، لم يُخف الموفد الدولي قلقه من الوضع الداخلي نتيجة تأثره بالخلاف على مشروع المحكمة الدولية. وبدا أنه أدرك أن شقها الطريق إلى التنفيذ لدى المنظمة الدولية سيضاعف المشكلات الداخلية ويقلل فرص التوصل إلى حلول. وهو ما سمعه أيضاً من وفد حزب الله الذي أكد له أن إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن يفضي إلى خلاصة مفادها أنها كانت جزءاً من المشكلة، وإن إقرارها لن يكون جزءاً من الحل ما دامت المشكلة الأم، قال وفد الحزب، تتصل بمصير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تراها المعارضة غير دستورية. لكن ميشال تجنّب الخوض في هذا الجانب الذي لا يدخل في نطاق
مهمته.
ــــــــ لم يكن في وسع الموفد الدولي، تبعاً لمهمته التقنية، إلا التشديد على استبعاد عامل التسييس عن المحكمة الدولية لتبديد شكوك محاوريه الذين ربطوا مخاوفهم من تسييس المحكمة بما لمسوه من تسييس رافق عمل لجنة التحقيق الدولية في ظل رئيسها السابق ديتليف ميليس. ومثلما قيل لميشال، فإن المعارضة أيّدت التحقيق الدولي شرط عدم تسييسه وربط التوقيف بأدلة صلبة، فقد أوقف ميليس الضباط الأربعة الكبار استناداً إلى شهود تبين أن إفاداتهم كاذبة، لا إلى أدلة صلبة. وأبرز وفد حزب الله خشيته من انتقال عدوى التسييس من لجنة التحقيق الدولية إلى المحكمة الدولية.
ــــــــ طبع الإصغاء معظم المقابلات التي أجراها الموفد الدولي مع محاوريه، محاذراً الخوض في أي موقف سياسي. الحذر نفسه عكسه مرافقه في الاجتماعات ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون الأكثر إلماماً بواقع المشكلات الناشبة بين طرفي النزاع. وكان ميشال يبرر صمته بأن مهمته تنحصر في الاطلاع على وجهات النظر لنقلها إلى بان كي مون، إلا إذا أثار محاوره مسألة قانونية غامضة أو ملتبسة في مشروع المحكمة الدولية.
وعبّر عن هذا الجانب حواره مع فنيش، حين أبدى الأخير استعداده لتسليمه ملاحظات حزب الله على مشروع المحكمة الدولية إذا أكد له ميشال أن المنظمة الدولية جاهزة لمناقشتهــــا والأخـــذ بالتعديلات المقترحة.
جواب الموفد الدولي أن أي تعديل يمكن أن يطرأ هو مسؤولية الحكومة اللبنانية وحدها، والتي عليها إقرار تعديلات كهذه، ثم توجيهها في رسالة إلى الأمم المتحدة، لأنه ليس في وسع الأمين العام الخوض في تعديل مشروع المحكمة الدولية.
حصيلة ما انتهى إليه تقويم سياسيين اجتمعوا بميشال، أن المحكمة الدولية على الأبواب أقرب مما كانوا يتوقعون، وأن مجلس الأمن سيقدمها «هدية» للرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل مغادرته قصر الإليزيه نهاية هذا الشهر.