strong>حسن عليق
سجن الأحداث قلعة من الإسمنت والحديد

  • دخلت «الأخبار» مبنى الأحداث في سجن رومية حيث يعيش أطفال ومراهقون خلف أسوار من الحديد والاسمنت. ما هي الصورة من الداخل؟ وما هو واقع السجناء وأوضاعهم وعلاقتهم بإدارة السجن؟ الحلقة الأولى عن المناخ العام تتبعها حلقات أخرى عن السجناء المراهقين. ومهما ظهرت حسنات للسجن، فإنه يبقى سجناً لا معهداً للإصلاح

    يطلّ «جناح الكسليك» في قسم الأحداث بسجن رومية على البحر. ليس مطلاًّ بالمعنى الصحيح للكلمة، لكن، يلوح في الأفق، خلف مبنى المحكومين الكبار، طرف البحر. أما «جناح صبرا»، فنافذته ملاصقة لحائط اسمنتي شاهق بلون باهت، لا يسمح إلا برؤية السماء، جزئياً. هكذا، وفقاً للموقع الجغرافي، يستخدم نزلاء قسم الاحداث تعبيري «الكسليك وصبرا» لوصف جناحي الطبقة الثالثة من مبنى الأحداث، حيث يعيشون. فـ«جناح الكسليك» مخصّص لحديثي التوقيف، ولذوي السيرة الحسنة من المحكومين بفترات قصيرة. أما «جناح صبرا»، فيقطنه المحكومون بفترات طويلة، والموقوفون الذين يدخلون السجن للمرة الثانية أو أكثر. أحدهم، وعندما يُسأل عن مهنته خارج السجن، يجيب مبتسماً: «أنا حرامي، وهوايتي نجارة الباطون، ولهذا السبب أتردد إلى رومية كثيراً». لا يتميز الجناحان بعضهما عن بعض سوى بما يظهر من نافذة الرواق الذي تتوزع الغرف على طرفيه، وساعتين إضافيتين تفتح فيهما أبواب الغرف والجناح. ففي صبرا، يبقى الباب الرئيسي مقفلاً طوال النهار، ولا يخرج السجناء إلا إلى المشاغل والمصانع أو مقابلات الزوار، بإذن من العسكري المناوب. وإقفال (أو «تقويش»، حسب التعبير المستخدم بين النزلاء) أبواب الغرف يتم عند الثالثة بعد الظهر. اما «جناح الكسليك»، فيبقى بابه الرئيسي مفتوحاً مع أبواب الغرف حتى الخامسة.
    في الكسليك 5 غرف وفي صبرا 7، مساحة كل منها تزيد على 24 متراً مربعاً، ويقطنها نحو 10 أشخاص، لكل منهم سرير خاص به. في كل غرفة «شاويش» من بينهم، تعيّنه إدارة السجن على أساس أقدميته وحسن سلوكه، للسهر على تنفيذ التعليمات الصادرة عنها، وأولها النظافة. وفي هذا المجال، يقوم أحد السجناء كل يوم «بتزييح» الغرفة، أي مسح أرضها بالماء ومواد التنظيف والتعقيم. وغسل ثياب السجناء (عددهم بين 100 و120) يجري بواسطة غسالة واحدة ونشّافة قدمتهما احدى المؤسسات الخيرية. تزود إدارة السجن النزلاء وجبتي طعام يومياً، لكن أكثرهم يتناولون طعاماً أحضره ذووهم. فـ«الأرَوَانة» (أي طعام السجن) «مش طيبة، وما في متل أكل البيت»، يقول أحدهم. داخل كل غرفة حمّام بلا باب، فقد ابدلت الأبواب بستائر قماشية. في كل «قاووش» جهاز تلفزيون، يسمح باستخدامه يومياً من الثالثة بعد الظهر حتى الحادية عشرة ليلاً، اما مساء السبت، فيسمح بتشغيله حتى الصباح.
    «شاويش الطابق»، وهو من المحكومين الكبار، وتعينه إدارة السجن، يساعد الإدارة في تطبيق النظام. لكن الكلمة العليا هي لحارس الطبقة من قوى الأمن الداخلي، والذي يطلق عليه السجناء لقب «باش شاويش». في يَد الأخير مفتاح جناحي الطبقة، وهو الذي يسمح للسجناء بالخروج من الجناح أو من الطبقة لمقابلة الزوار، أو للتوجه إلى المشاغل الموجودة في الطبقة الثانية من مبنى الأحداث. اللافت في مبنى الأحداث، أن الادراة اتخذت بضعة إجراءات في محاولة لإبعاد الأحداث عن المحكومين الكبار، لكنها في الوقت ذاته، تستعين بمحكومين دانهم القضاء لارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون، وذلك لمعاونتها في إدارة شؤون المحكومين، او لمساعدة من يدربون الأحداث في المشاغل والمصانع، مع العلم أن المادة الثانية من القانون الرقم 422 الصادر عام 2002 (حماية الأحداث المخالفين أو المعرضين للخطر)، تمنع حجز الأحداث مع الراشدين، فكيف الحال بطلب المساعدة من أحد الراشدين المدانين، لتدريب الأحداث أو إدارة شؤونهم، بدلاً من مختصين ذوي خبرة؟
    أيام السجناء
    يتغير عدد السجناء الأحداث في رومية باستمرار (بين 100 و120) لأن السجن يضم محكومين وموقوفين، وحركة الدخول والخروج للفئة الأخيرة كثيفة جداً، إما بسبب الإفراج، أو بسبب تأكيد البراءة او لترحيل الأجانب منهم خارج البلاد، وإما لنقلهم إلى معهد الإصلاح. يبدأ نهار السجناء الثامنة صباحاً حين يستيقظون. ينتقل بعدها الشباب إلى مشاغلهم ومصانعهم والصفوف، وذلك حسب جدول معدّ سلفاً، حتى الواحدة بعد الظهر تقريباً، حين يعودون إلى غرفهم، ويبقون فيها إلى اليوم التالي. تتبع المصانع لإدارة السجن، وهي تضم ميكانيك سيارات وحدادة وبويا وكهرباء سيارات و«البستان»، (خيمة بلاستيكية في زاوية إحدى الباحات تستخدم للأعمال الزراعية) كلها خارج مبنى الأحداث، بالاضافة إلى صف لتعليم تشغيل الكومبيوتر والتصميم في الطبقة الثانية من المبنى. وتؤمّن وزارة التربية الأساتذة والمدربين لهذه المصانع، كما أن وزارة العمل تمنح الاحداث شهادات بعد انتهائهم من الدورات التدريبية. وعلى نحو مواز لنشاطات إدارة السجن، ثمة مشاغل تشرف عليها «الحركة الاجتماعية» في الطبقة الثانية من مبنى الأحداث، وهي جمعية أهلية تدير برنامجاً لتأهيل الأحداث داخل السجن. يضم هذا البرنامج 4 مشاغل: تجميع الكومبيوتر وصيانته، وصناعة الحقائب الجلدية، وتطعيم الخشب، والحلاقة. ويضم أيضاً صفاً للرسم وآخر للمسرح، بالاضافة إلى التدريب الاجتماعي، والمتابعة النفسية للمسجونين. تدفع الحركة الاجتماعية أجور الأساتذة في المشاغل التي يساعدهم فيها محكومون كبار.
    كذلك، تعمل داخل السجن جمعية الأب عفيف عسيران على متابعة برامج التدعيم المدرسي وتقدم دروساً لمحو الأمية، بالاضافة إلى مجموعة «تدعيم» للأحداث الذين يعانون صعوبات في الاندماج بمجتمع السجن. ورغم أن سجن الأحداث يعدّ أفضل من السجون الأخرى لناحية المساحة وأماكن نوم السجناء وبرامج التدريب، إلا أن مقارنته بها تبقى باطلة، لأن هدف التدابير المتخذة بحق الأحداث هو الحماية والاصلاح بحسب ما ينص عليه القانون 422، وهو ما لا يبدو جلياً في سجن الاحداث في رومية، لأنه يبقى سجناً يشبه إلى حد بعيد السجون الأخرى في لبنان. فبعض الأحداث محكوم بالسجن لمدة تصل حتى عشر سنين، ودخل السجن وترك دراسته منذ أن كان في الثالثة عشرة، منهم ابراهيم (اسم وهمي)، الذي كان قد وصل إلى صف الشهادة المتوسطة، إلا أن غياب برامج الدراسة داخل السجن منعه من متابعة تعليمه. فما يختصر سجن الأحداث من الداخل هو الحديد. حديد على النوافد، باب حديدي للغرفة، باب حديدي للجناح، نافذة المدخل مشبوكة بالحديد، باب الطبقة حديدي مقفل، الدرج المؤدي إلى السطح مسوّر بالحديد الغليظ، السلالم كذلك. حديد أنّى نظرت ومشيت.