عرفات حجازي
انتهت مهمّة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال كما بدأت من دون تحقيق نتائج حاسمة على صعيد تحقيق تفاهم لبناني على إقرار نظام المحكمة ذات الطابع الدولي في المؤسسات الدستورية اللبنانية، لكنه مع ذلك لم يقطع الرجاء من إمكانات وحظوظ مواصلة الحوار بين الأفرقاء فترك الباب وراءه مفتوحاً للمتابعة، مع إشارته إلى أن الطريق طويل ومحفوف بالعقبات، لكنه ليس مقفلاً على التوافق الداخلي، لافتاً في الوقت عينه إلى أنه زرع بعض الأفكار من دون أن يفصح عن ماهيّتها. لكن المتابعين للمساعي الدولية توقّفوا أمام حرص الرجل خلال لقائه برئيس المجلس النيابي نبيه بري على استخدامه لمفردة الحوار عشرات المرات، سائلاً مضيفه عمّا إذا كان بالإمكان ابتداع صيغ جديدة لوصل ما انقطع بين أطراف النزاع، فكان جواب الرئيس بري الذي أسهب في الحديث عن المراحل التي مرّت بها الأزمة السياسية والمبادرات التي أطلقها، وكان آخرها ما جرى نقاشه مع رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري.
ويؤكد من التقاهم ميشال أن الموفد الأممي ترك انطباعاً لديهم بأنه مخلص في مسعاه لتجنّب إقرار المحكمة في مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وأنه حثّ الأفرقاء على التفاهم عليها لإمرارها في القنوات الدستورية اللبنانية، مبدياً استعداده لمناقشة أي تعديل أو ملاحظة على نظام المحكمة. ومع أنه لم يتسلّم من المعارضة أية طلبات أو تعديلات أو ملاحظات، إلا أنه أفاض بتقديم الشروح على ما اعتقده التباسات وبنوداً تثير الجدل، مؤكداً أن نظام المحكمة قد صيغ وفق أفضل المعايير الدولية في إنشاء المحاكم، وأن ثمة ضوابط قانونية تكفل عدم تسييس المحكمة وحرفها عن أهدافها وغاياتها في إحقاق العدالة. ورغم تفهّمه لمحاولات الربط بين موضوعي المحكمة والحكومة والنزاعات السياسية القائمة بين طرفي الموالاة والمعارضة، إلا أنه حاذر الدخول في نقاش سياسي، لأن مهمّته مقتصرة على الجانب التقني الذي أناطه به الأمين العام للأمم المتحدة، مشدداً أمام فريق المعارضة على أن المحكمة ستكون محكمة جنائية لا محكمة سياسية، ولن تكون أداة في يد أحد ولا وسيلة تستخدم لتنفيذ غايات ومآرب سياسية.
وعلمت «الأخبار» أن الموفد الأممي الذي غادر إلى نيويورك سيضمّن تقريره الذي سيرفعه إلى الأمين العام للأمم المتحدة توصية ببذل جهد إضافي قبل نقل ملف المحكمة إلى مجلس الأمن، لأن الاستنتاج الذي خرج به من لقاءاته هو أنه لا أحد ضد المحكمة في المبدأ، لكن التباين حاصل في المدخل الدستوري لإقرارها، وأن الطرفين متفقان على التسليم بأن إقرارها في الداخل هو الخيار الأسلم وأن ثمة حاجة إلى تحرّك يعيد الوصل بينهما للوصول في نهاية المطاف إلى فتح الأقنية الدستورية المسدودة أمام مشروع المحكمة، وفي الوقت عينه يخرج موضوع المحكمة من عنق الزجاجة ويؤسس لتسوية سياسية شاملة، وإلاّ فإن البلد سيسير نحو التفكّك.
وفي المعلومات أيضاً أن الموفد الأممي استمزج رأي القيادات التي التقاها من الطرفين حول إمكان عقد حوار بينهما لمناقشة القضايا المختلف عليها، وحتى الآن لا معلومات وافية عن هذا الحدث، فلا مواعيد محدّدة ولا تسريبات عن مستوى الاجتماع وعن الجهة الداعية له أو الراعية لانعقاده، كما أن الجانبين لم يعطيا أجوبة واضحة عن هذا اللقاء الذي لحظ فقط مشاركة أطراف طاولة الحوار الـ14.
وكشفت مصادر دبلوماسية عن اتصالات سعودية سورية جرت أخيراً بهدف دفع اللبنانيين إلى التوافق على حل أزمتهم بدعم من الأطراف العربية. ولاحظت المصادر أن مغادرة السفير السعودي عبد العزيز خوجة إلى الرياض تأتي في إطار الاتصالات التي يقوم بها لتقريب وجهات النظر بين الفاعليات السياسية في لبنان، ولإطلاع المسؤولين السعوديين على حقيقة الأوضاع المأزومة والتزوّد بالتوجيهات اللازمة لتشجيع اللبنانيين على العودة إلى الحوار والتوافق وعدم الدفع باتجاه مجلس الأمن لإقرار المحكمة، الأمر الذي سيضاعف حدّة الأزمة، وقد ينزلق إلى مواجهة. وليس بعيداً عن هذا التوجّه ما أعلنه رئيس وزراء إيطاليا في السعودية من أن الرياض وروما اتفقتا على إطلاق حوار في عدّة اتجاهات لتهدئة الوضع اللبناني مع الأوروبيين والأميركيين والسوريين والإسرائيليين، مستبعداً أن تدفع بلاده باتجاه إقرار المحكمة في مجلس الأمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.