أنطوان سعد
حسمت الأوساط المسيحية عموماً رأيها في قضية النصاب القانوني الواجب توافره في مجلس النواب لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. وقد توافقت على أنه الثلثان، من دون أي نقصان، انطلاقاً من الاعتبارات القانونية والميثاقية التي نصّ عليها الدستور، ومن الأعراف المتبعة منذ قيام الجمهورية اللبنانية، معتبرة أنه لا يجوز التغاضي عنها أو تجاوزها أياً تكن الموجبات. إذ إن عدم احترام النصوص الدستورية والأعراف لا بد من أن ينقلب يوماً على من تجاوزه، تماماً مثلما حصل مع الذين عملوا بإصرار من أجل التمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي سنة 1995، فكانت حجتهم ضعيفة عندما أرادوا مواجهة التمديد لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود سنة 2004 من خلال اعتباره مخالفاً لأحكام الدستور وروحيته.
وتنطلق هذه الأوساط من اعتبار مبدأ احترام الدستور والأعراف الديموقراطية مسألة حيوية بالنسبة إلى المسيحيين على المدى الطويل، معتبرة أن تكريسها يصبّ في مصلحتهم. وهذا ما كان أشار إليه المفكر الكبير الراحل ميشال شيحا عندما عارض بشدة عملية التجديد لنسيبه الرئيس بشارة الخوري سنة 1948 حرصاً منه على إنجاح التجربة الديموقراطية الأولى والوحيدة في العالم العربي.
وقد ارتأت الأوساط نفسها عدم المبادرة إلى إعلان موقفها حتى لا تدخل على خط النزاع الحاد القائم حالياً في لبنان وتوسم بالانحياز إلى طرف دون الآخر. وهي تبدي كل الاستعداد للإدلاء برأيها متى دعت الحاجة إلى ذلك أو متى سألتها القيادات السياسية عن موقفها من قضية النصاب في جلسة الانتخاب. وهي تخشى من مغبة التصعيد الكلامي والتلويح بإجراء الانتخابات خارج المجلس النيابي من دون توافر النصاب القانوني، وانعكاساتهما على مستوى العلاقات بين الطوائف اللبنانية. وتأمل أن يضع أقطاب السياسة في لبنان، من دون استثناء، نصب أعينهم أن التجييش الطائفي من شأنه أن يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى ما لا تحمد عقباه، وألا يتعدى الكلام على عدم الالتزام بقاعدة الثلثين حد التهويل لإقناع المعارضة بإبداء بعض المرونة والدخول في مفاوضات من أجل التوصل إلى رئيس توافقي للجمهورية.
وتتجه أنظار هذه الأوساط، وهي روحية وزمنية، مارونية وأرثوذكسية، وفي مقدمها بكركي ومطارنة روم أرثوذكس وسياسيون رفيعو المستوى بعضهم معتبر من الفرقاء الأساسيين في قوى الرابع عشر من آذار ومن المرشحين البارزين لرئاسة الجمهورية، إلى السبل المؤدية إلى انتخابات رئاسية تجنب لبنان الفراغ وبالتالي الفوضى. وهي وراء تخفيف اندفاع بعض القوى المسيحية التي جاهرت باستعدادها للسير بالانتخابات من دون تأمين نصاب الثلثين.
وتروي إحدى الشخصيات المارونية البارزة، وهي أيضاً من الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية، تفاصيل اجتماع عقد بين الرئيسين الياس سركيس وكامل الأسعد وقائد «القوات اللبنانية» بشير الجميل بحضورها وحضور الوزير رينيه معوض. في ذلك الاجتماع، لم يكن الجميل متأكداً من إمكان توافر نصاب الثلثين لجلسة الانتخاب وسأل عما إذا كان هناك مخرج قانوني يحفظ شرعية العملية الانتخابية إذا لم يتأمن العدد المطلوب. فأجابه الرئيسان سركيس والأسعد بحزم قائلين بصوت واحد وفي الوقت نفسه: «لا مفر من الثلثين».
وإذ تؤكد على ضرورة وقف الكلام على تجاوز النصاب القانوني لجلسة الانتخاب، تدعو الأوساط المسيحية إلى بذل الجهود للتوفيق بين المعارضة والموالاة لحملهما على التفاهم من أجل تمرير الاستحقاق الرئاسي على خير، أو إلى ترتيب إطار سياسي برعاية البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير يعمل على تحقيق توافق بين القيادات المسيحية على اسم مرشح واحد لرئاسة الجمهورية لوضع الفريقين المتنازعين أمام الأمر الواقع. أما إذا فشلت هذه المساعي، فستنصبّ الجهود على البحث عن الوسائل الكفيلة بإقناع النواب المسيحيين المعارضين بعدم مقاطعة جلسة الانتخاب، وثمة آمال كبيرة في هذا المجال معلقة على بعض نواب تكتل الإصلاح والتغيير الممثلين لأقضية المتن وكسروان وجبيل. وهناك أوساط قريبة من العماد ميشال عون تفيد بأنه لن يكون عائقاً أمام إجراء الانتخابات الرئاسية، وأنه في الدقيقة الأخيرة لن يقول: «أنا أو لا أحد». وتعمل هذه الأوساط بعيداً من الأضواء على إجراء غربلة للأسماء المتداولة المرشحة للانتخابات الرئاسية، وتبحث عن أسماء أخرى تتمتع بمواصفات قيادية تجعلها قادرة على إعادة المسيحيين إلى المعادلة السياسية اللبنانية، وتكون في الوقت نفسه مقبولة من الفريقين المتنازعين.