عرفات حجازي
مصير المحكمة لم يحسم بعد والرهان على ولادتها لبنانياً ما زال قائماً

ما زال لبنان حاضراً بقوة في حركة الاتصالات العربية والدولية بدءاً من نيويورك مروراً بدمشق والقاهرة وقطر وانتهاءً ببيروت بحثاً عن استكشاف إمكان فتح قنوات الحوار المقفلة بين الأطراف اللبنانية المتنازعة لمعالجة القضايا المختلف عليها، وفي طليعتها إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الحريري من خلال المؤسسات الدستوية اللبنانية لتلافي إقرارها في مجلس الأمن مع ما يترتب على هذا الإجراء من تعقيدات ومخاطر تزيد تفاقم الأزمة بدل حلّها.
ومع دخول الأمين العام للأمم المتحدة على خط المتابعة ولقائه الرئيس بشار الأسد وكبار معاونيه بدا أن مسار المحكمة لم يحسم بعد، والانطباع الذي خرج به من العاصمة السورية أن الفرصة ما زالت سانحة للبحث عن مخارج وطرق لاقرار المحكمة في لبنان بالأُطر الدستورية، وقد طلب صراحة من الرئيس السوري استخدام نفوذه لدى اطراف لبنانية للتوصل الى توافق لبناني بشأن نظام المحكمة، ومع أن الرئيس الأسد ردّد ما سبق أن قاله بأن الأمر يعود إلى اللبنانيين، فإنه وعد بتشجيع حلفائه في لبنان على التوصل الى تفاهمات تسّهل ولادة لبنانية للمحكمة. وإذ تكتم بان كي مون عن اعلان نتائج واضحة وموقف سوري محدد في شأن المحكمة اكتفى بالقول انه سيتعين على الأمم المتحدة درس مسألة إقرار المحكمة إذا لم يتمكن اللبنانيون من الاتفاق في شأنها، مضيفاً إنه ليس في وضع يسمح له بالقول اكثر من ذلك.
لكن اللافت إشارة الرئيس الأسد الى أن سوريا ستؤدّي الدور المناسب مع دول عربية رئيسية لمساعدة اللبنانيين على التوافق، ملمّحاً بذلك الى المملكة العربية السعودية التي قال إن التنسيق معها مستمر على صعيد الملف اللبناني وملفات إقليمية أخرى. وفيما ذكرت مصادر دبلوماسية في بيروت أن التفاهمات السعودية ــ السورية ما زالت تفاصيلها قيد الإعداد لدى الجانبين في دمشق والرياض، بدا لأكثر من مرجع سياسي أن السعودية دخلت مجدداً على خط إعادة الاعتبار للحوار الذي كان قائماً بين الرئيس نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري، وربطت هذه المراجع بين تحرك السفير السعودي على القيادات الروحية والسياسية ووصول الحريري الى السعودية وتحذير وزير الخارجية سعود الفيصل من انهيار الوضع في لبنان نتيجة انسداد افق الحوار، خصوصاً اذا ما تشكلت حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود ما يجعل البلد محكوماً بحكومتين ومن دون رئيس جمهورية، لتخلص الى استنتاجات خلاصتها أن السعودية تنظر بقلق شديد الى الوضع اللبناني، وأنه لا بدّ من بذل جهود إضافية لاحتواء أجواء التوتر والتشنجات السياسية واعطاء المزيد من الوقت قبل الدفع بالمحكمة الى مجلس الامن وهي نفسها الاستنتاجات التي خلصت اليها روسيا والأمين العام للأمم المتحدة ومساعده للشؤون القانونية بعد محادثاتهما في كل من دمشق وبيروت.
من هنا تجمع المعلومات على أن إقرار المحكمة لن يتم قبل انتهاء العقد الحالي لمجلس النواب نهاية الشهر المقبل ما يعني أن الباب سيبقى مفتوحاً أمام المعالجات، والفرص متاحة لإمكان اقرارها في المؤسسات الدستورية اللبنانية. كما تجمع المعلومات المتداولة في الأروقة السياسية والدبلوماسية على أن هناك مناخاً دولياً وعربياً يوحي بتعاظم المخاطر على الاستقرار وحصول اهتزازات أمنية في الداخل اللبناني وعلى أرض الجنوب حيث تنتشر القوات الدولية، وقد جاءت عملية خطف الشابين زياد غندور وزياد قبلان في توقيت مشبوه لتصب في خانة محاولات خلق أجواء فتنة مذهبية بسبب طبيعة الحادث وخلفياته وما يختزنه الشارع من عوامل توتر واحتقان.
وتبعاً لهذه الصورة القاتمة والمعقدة ينتظر أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من المشاورات على مستوى الداخل لفتح الأفق السياسي مجدداً على الحوار وعلى مستوى الخارج لإعادة لبنان الى أولويات الاهتمام لأن ترك أزمته تتفاقم سيدفع بالصراع الى خيارات مدمّرة في ظل عنف متزايد تشهده المنطقة ويهدد بانفجار بركان النار في أكثر من موقع.