صور ـ آمال خليل
تمرّ الذكرى الثانية والتسعون لمذابح إبادة الأرمن على أيدي الأتراك أشدّ مرارة على أرمن صور؛ فالأتراك عادوا إلى مملكتهم بعد هزيمة دامت 93 عاماً، ولحقوا بالأرمن بعدما هجّروهم من أرضهم. هذا العام، تهلّ الذكرى بحذر على المساحة الفاصلة بين منطقة البص، حيث لم يبق غير عائلتين أرمنيتين فقط تسكنان هناك، وبلدة الشعيتية على بعد عدة كيلومترات، إذ تتمركز، منذ أربعة أشهر، الكتيبة التركية المشاركة لوجستياً في قوات اليونيفيل. لذا يذوق أرمن صور أكثر من غيرهم مرارة الجوار التركي من جديد، أثناء تجوال الجنود في القرى ومرورهم في صور، بعدما فشلت التوسلات للحكومة اللبنانية لرفض «المشاركة التركية في قوات حفظ السلام»، إضافة إلى قمع اعتصامهم الاحتجاجي في الشعيتية والناقورة أثناء زيارة رئيس الوزراء التركي أردوغان قبل ثلاثة أشهر.
تحيي العائلتان الأرمنيتان الباقيتان في صور، ذكرى الإبادة في برج حمود منذ سنوات بعدما تراجع عدد الأرمن المقيمين تدريجاً، إلى أن «شحّ» بحسب مختار البص السابق رافي أطاميان أو رفيق الأرمني «لدى أبناء العرب»، فيما كانت ذكرى الإبادة «محطة سنوية يحييها الصوريون قداديس واحتفالات، بمشاركة مجموعات الأرمن الذين سيتذكرون دور الصهيونية العالمية في تحريض الباشاوات اليهود الأتراك كجمال وطلعت باشا، عليهم».
يؤكد أطاميان أن «الآونة الأخيرة تسجّل أقل نسبة وجود للأرمن في صور منذ العهد الفينيقي حتى بداية الحرب الأهلية اللبنانية»، علماً بأن الوجود الأضخم في صور سجّل بعد هجرة الأرمن الكبرى في عام 1915، إذ إنهم استفادوا من أحوال الأرمن المزدهرة، الذين كانوا أطباء وصيادلة وحرفيي المنطقة. فالمستشفى الأول في صور بناه عام 1929 الطبيب ميناسيان، وصيدليتا عطوي وصور الحاليتان أسسهما الصيدليان شماليان وجميان (مؤسس فريق التضامن الرياضي).
التوسع الأخير للأرمن في صور حصل إثر ضمّ فرنسا لواء الإسكندرونة الأرمني المستقل، إلى تركيا في عام 1938. وبإيعاز من الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية التي يرأسها نوبار باشا، اشترى الأرمن البص والرشيدية من الحكومة اللبنانية ودفعوا ثمنهما في بنك سوريا ولبنان، لكن الحكومة ماطلت في إعطائهم صك ملكية الأرض.
عمّر الأرمن بيوتهم فيها، كما بنوا مدارس ومستشفيات كمستشفى سعد الله الخليل المهجور منذ سنوات، وكنائس، ككنيسة الأرمن البروتستانت التي هدّمتها الحكومة في عام 1956وبنت مستشفى صور الحكومي، والكنيسة الكاثوليكية التي قدموها لاحقاً إلى الفلسطينيين لتحويلها إلى مدرسة.
الانحسار الأرمني الصوري بدأ يتصاعد منذ عام 1948 إثر هجرة الفلسطينيين الذين حلّوا في منازل الأرمن المقيمين في بيروت للعمل. وإثر المضايقات التي تعرض لها الأرمن المحايدون إبان ثورة عام 1958، زادت الصعوبات بعدما احتُلَّت بعض بيوتهم وسُلِّمت للفلسطينيين، فقلّ عددهم إلى نحو 160 عائلة أصبحت تدريجاً 18 عائلة بعد اتفاق القاهرة واندلاع الحرب والاجتياح الإسرائيلي وحرب المخيمات. ومنذ 17 عاماً تعيش أربع عائلات أرمنية في الحي اللبناني من مخيم البص ومنطقة الزراعة، إلى أن غادرت قبل شهر واحد إلى برج حمود عائلتان بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة.
لم يعد للأرمن شيء في صور بعد أن امتهنوا الحرف وامتلكوا المستشفيات والمدارس والصيدليات. المختار رافي أطاميان خسر لقب مختار البص في عام 1996 لمصلحة الفلسطينيين المجنّسين، أما في الرشيدية التي لا يقيم فيها سوى الفلسطينيين، فلا يزال مختارها لطفي دولتيان يتابع معاملات الأرمن المسجّلين في دوائر نفوسها.