strong> رشا أبو زكي
انعكس نبأ العثور على جثتي زياد قبلان وزياد غندور في منطقة جدرا مساء امس، المزيد من توتر عائلتي الفقيدين وأهالي منطقة وطى المصيطبة، خصوصاً انهم يؤكدون أن قبلان لا ينتمي إلى أي طرف سياسي، كما أن غندور ليس سوى طفل لا يهمه سوى كرة القدم.
الأسئلة عن سبب الاختطاف لم تلق أجوبة، والاستياء الذي يزداد مع الغموض الذي يلف القضية، ينسج حالة من القلق لدى الأهالي من إمكانية حدوث إشكالات أمنية، استبقت وقوعها آليات الجيش المزروعة في المنطقة. والغريب كان انتقال بعض المواطنين الذين ينتمون إلى طوائف معينة من المنطقة، خوفاً من تطور الأحداث وحصول أي ردات فعل قد تستهدفهم. فكيف كان المشهد قبل النبأ الفاجعة؟

غندور وقبلان يجمعهما الفقر

شباك صغير في غرفة زياد غندور، كان منفذه الوحيد لكي ينادي أصدقاءه للتوسط لدى أمه، عندما تفرض عليه التزام المنزل. الاثنين الماضي تناول زياد ابن الثانية عشرة طعامه، وكتب فرض الرياضيات عن الأعداد العشرية، ووعد أمه بمتابعة دروسه عندما يعود من رحلة صغيرة مع زياد قبلان، ولكنه اختفى. يصعب الوصول الى غرفة غندور في عليّة في المنزل، بسبب المصعد الخشبي الحاد الذي يصلها بالغرفة الوحيدة التي يسكنها أهله. السقف منخفض، والصور تنتشر في كل مكان. مكتبته الصغيرة فيها روايات للأطفال مثل كوخ العم توم، وحكايات فارس أسود، ودموع الياسمين. على سريره الصغير تتبعثر كتبه المدرسية وحقيبة لم يحملها زياد منذ ثلاثة أيام... دفتر الرسم عليه صورة للطبيعة، وعلاماته على دفتر الإملاء الفرنسية متدنية، ولكنها مميزة في مادة تحليل النص. وقرب سريره تنام سيسي، وهي قطته التي وعدها زياد بالاحتفال بعيد ميلادها الأول في أيار المقبل.
أتراب زياد في مدرسة وطى المصيطبة الرسمية، نفذوا اعتصاماً أمس في باحة المدرسة، ورفعوا مطالبهم: «الله مع زياد خينا زياد». «اتركونا نتعلم». «ما ذنب الأطفال بحروب الكبار». «يا أطفال لبنان شاركونا المطالبة بعودة زياد». «لا نريد أن نتعلم قبل عودة زياد». واستنكاراً للحادث أصدرت إدارة مدرسة وطى المصيطبة الرسمية والمعلمون والتلامذة في المدرسة البيان اعتبرت فيه «أن هذا العمل غير المشروع منافٍ لأبسط المبادئ القائمة عليها أسس التربية الحديثة التي تتفانى في المحافظة على حقوق الطفل كافة». وأهابت «بكل الفعاليات الوقوف صفاً واحداً ضد هذا العمل الإجرامي، والعمل الجاد على عودته الى أهله ومدرسته سالماً».
زياد المولود في عام 1995 في مستشفى بيروت، لم يشارك في مشكلات الجامعة العربية، إذ ذهبت أمه الى المدرسة لتصطحبه بنفسها الى المنزل بسبب خوفها عليه. ويقول جميل غندور وهو عم زياد «إنه طفل، وبالطبع لا ينتمي إلى أي طرف سياسي. نحن ننتظر التحقيقات، ولا نتهم أحداً بعملية الاختطاف، فكل المرجعيات السياسية استنكرت الحادثة، ومن قام بهذا العمل يريد خلق صراع بين القوى السياسية».
الفقر يجمع عائلتي المخطوفين، فوالد زياد قبلان يعمل ناطوراً في مبنى اللادا منذ 23 عاماً، وفي غرفة صغيرة نشأ زياد قبلان. ويقول والده «زياد لا يشارك في المشاكل، كما أنه ليس لديه أعداء، وهو لا يتعاطى السياسة، وليس متعصباً في الدين. كما أنه لم يكن في المنطقة خلال أحداث الجامعة العربية، فقد بحثت عنه ولم أجده». ويتابع «أنا من أصل تركي ولديّ جنسية لبنانية، وقد بلّغنا السفارة التركية بعملية الاختطاف، من دون أن نتهم أحداً».

التوتر سيد الموقف في الوطى

آليات الجيش المنتشرة بكثافة وحالة الأهالي تشير إلى توتر وخوف يسيطران على منطقة وطى المصيطبة حيث يسكن المخطوفان، وانعكست حالة التوتر انتقالاً لبعض المواطنين الذين ينتمون إلى طوائف معينة من المنطقة خوفاً من ردة فعل قد تستهدفهم، فيما لفت البعض الآخر إلى محاولة الانتباه قدر الإمكان، وعدم القيام بحركات استفزازية خوفاً من انفجار الوضع. ويقول محمد دغمان، وهو صديق لزياد قبلان «أهل زياد «دراويش»، وهو لا ينتمي الى أي حزب، و«آدمي»، وسمعته جيدة، كما أنه لا يتدخل في المشاكل». ويتابع «لا أعرف سبب خطفه، أمني؟ شخصي؟ لا أعرف».
نبيل أبو درغم، صاحب متجر للسمانة في وطى المصيطبة، يقول «أعمل هنا منذ 15 عاماً، وأعرف زياد قبلان وعائلته جيداً، فهو مثل ابني. وأبو زياد وابنه عمر وزياد ليس لديهم سوى «هوس» بالدراجات النارية. إنهما أبناؤنا، ونبكي عليهما دماً ونحن نحبهما كثيراً». ويضيف «التوتر يسيطر على المنطقة منذ أن قتل عدنان شمص، إذ نشعر أن المنطقة مراقبة». أما محمد فيقول «انتقلت مع عائلتي الى منزل أختي خارج المنطقة، في انتظار هدوء الوضع، إذ لديّ أطفال وأخاف أن يتم استهدافنا في حال حدوث أي إشكال أمني، نحن نتعاطف مع أهالي المخطوفين، ونعتبر أن قبلان وغندور ابنانا، ولكن لا نعرف كيف تتجه الأمور وإلى أين». وتقول زوجته «موجة الشائعات التي انتشرت أمس أثارت الرعب في المنطقة، وخصوصاً تلك التي روّجت إمكانية حدوث ردات فعل انتقامية، وأنا أم وأخاف على أطفالي».