غسان سعود
كيف نعيد الثقة إلى العلاقات اللبنانية ــ السورية؟
يبدو التباين واضحاً في موقف نائبين ينتميان إلى الكتلتين النيابيتين الأكبر في لبنان... فبين «أكل العنب» و«قتل الناطور» فرق كبير يوازي الفرق في اختلاف المواقف بين الأمس واليوم

بعد عامين على الانسحاب السوري من لبنان، يرى أحد المراقبين أن البعد السياسي طغى على العلاقات اللبنانية ــ السورية مستخفّاً بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة التي تميّز هذه العلاقات من دون أن ينفي أنها أثّرت عليها بسلبية كبيرة.
أما في الوسط النيابي فثمة اليوم مقاربتان رئيسيتان لهذه العلاقات. الأولى يتبناها فريق السلطة ويعبر عنها بوضوح «تيار المستقبل» والثانية يجاهر بها «تكتل التغيير والإصلاح» وتلتف المعارضة حولها.

الكرة في ملعب السوريين؟

يأسف النائب في كتلة «تيار المستقبل» وليد عيدو لحالة العلاقات بين البلدين اليوم. ويقول إن «تيار المستقبل» يؤمن أن «سوريا شقيقة لبنان وبوابة اللبنانيين إلى الدول العربية». ويرى أن السبب في وصول العلاقات إلى هذا المستوى يعود إلى ممارسة السوريين خلال وجودهم في لبنان سياسة «فجة» قامت على أساس «خطف الحياة السياسية اللبنانية وعدم رغبتهم في استغلال الفرصة التاريخية لإبراز الوجه الإيجابي لهذه العلاقات بمفهومها القومي». مع ما يعنيه هذا الأمر وفقاً لعيدو من «تكامل وتضامن ووحدة في الموقف من الصراع العربي ــ الاسرائيلي». وبموازاة مطالبته بإقامة أفضل العلاقات وأميزها بين لبنان وسوريا يرى أن «الكرة اليوم في ملعب السوريين، والمطلوب منهم تماثل المواقف. فكما يتمنى اللبنانيون الخير لسوريا وشعبها، يفترض بالسوريين أن يردّوا بالمثل، لا أن يستمروا في التدخل في شؤون اللبنانيين، ويسعوا للسيطرة بشتى الوسائل على قرارهم».
أما بالنسبة إلى «تكتل التغيير والاصلاح»، فيقول النائب سليم عون، الذي اعتقل مرات عدة بتهمة المطالبة بخروج السوريين من لبنان، إن المطلوب أولاً «أن يقتنع اللبنانيون بأن تكون العلاقة بين لبنان وسوريا، علاقة دول لا أطراف سياسية». ويذكّر بأن «الحالة العونية منذ انطلاقتها عام 1988 تطالب بإقامة أفضل العلاقات مع سوريا شرط خروجها من لبنان»، مشيراً إلى «سعي التيار في تلك المرحلة لتأمين خروج مشرّف للجيش السوري من لبنان، لمعرفة القيادة العونية أن خروج السوريين بشكل مذلّ سيفتح جرحاً كبيراً في العلاقات اللبنانية السورية». ويستدرك بالقول إن «الحديث عن علاقات طبيعية بين البلدين شبه مستحيل في ظل مطالبة بعض أركان الفريق الحاكم اليوم بإسقاط النظام السوري».

المطلوب أكل العنب

ويبدو التباين بين الكتلتين النيابيتين الأكبر في لبنان واضحاً في تحديد المشكلة التي تحول دون بناء علاقات صحيحة بين البلدين. فيحدد عيدو المشكلة في خمس نقاط «أولها استمرار التدخل السوري في لبنان مباشرة أو بالواسطة. ثانياً تحديد دور النظام السوري في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي حصلت في ظل الواقع العسكري المخابراتي السوري السابق. وثالثاً، عدم رغبة سوريا في إقامة علاقات ديبلوماسية مبنية على الود والتفاهم والمصلحة القومية في مواجهة اسرائيل. أما رابعاً فتأتي الرعاية السورية للسلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وأخيراً هناك المعارضة السورية لترسيم الحدود، الأمر الذي لا يمكن فهمه أبداً وخصوصاً من الزاوية القومية».
أما الأولوية عند «التغيير والاصلاح» فهي «حلّ قضية المعتقلين في السجون السورية» التي كانت بحسب عون «توأم القضية العونية التي يحرّم على العونيين التخلي عنها». ثانياً، يعتبر عون ان «التمثيل الديبلوماسي يعبر عن العلاقات الجيدة بين دولتين»، منبهاً في الوقت نفسه من أن «الكلام الذي قيل في حق السوريين، بعد خروجهم من لبنان، كان سيؤدي حتماً إلى قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين لو وجدت». ويأتي ثالثاً «ترسيم الحدود وضبطها لمنع كل أنواع التهريب وضبط الأمن، وإنهاء الجدل حول مزارع شبعا اللبنانية». وبموازاة هذه النقاط، يكشف عون عن درس التيار للاتفاقات العديدة الموقعة بين لبنان وسوريا، بعدما توقف التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري من دون العودة للقيادة اللبنانية السياسية الأمر الذي كان عرضة لانتقاد التيار طوال السنوات الماضية. ويشدد عون على أهمية مقاربة هذه القضايا بهدوء وموضوعية، من دون تحد واستفزاز، وخصوصاً أن «الهدف أكل العنب لا قتل الناطور بعدما قبّل الفريق الحاكم خمسة عشر عاماً يد الناطور من دون أن يسعى لأكل العنب».
وفيما يطالب عيدو بخطوة حسن نيّة سورية تجاه اللبنانيين تتمثل في «الاعتراف أولاً بلبنان دولة مستقلة ذات سيادة. يليها مباشرة الاستجابة لمطلب اللبنانيين في معرفة قتلة الرئيس الحريري». يرى عون أن «أكبر انتقام للبنانيين من سوريا كان إخراجها من بلدهم، لكن قبل الاندفاع للمطالبة بمحاسبتها، يفترض محاسبة الذين تعاملوا معها وسهّلوا لها تحقيق كل ما ترنو إليه». وينهي كلامه مستغرباً كيف أن ناشطي التيار «الذين عوملوا كالنكرة في الداخل والخارج لأنهم طالبوا بخروج السوريين، بحجة أن سوريا عامل استقرار في لبنان يتعرضون اليوم للحملة نفسها من أبناء «الشرعي والمؤقت» لمطالبتهم بعلاقات جيدة مع سوريا، بعد اتفاقها مع اللبنانيين حول الأمور العالقة».



العلاقات «السويّة والصحيحة»

قدّم «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» رؤيتهما للعلاقة اللبنانية السورية ضمن ورقة التفاهم. واعتبرا «أن إقامة علاقات لبنانية ــ سورية سوية وصحيحة تقتضي مراجعة التجربة السابقة باستخلاص ما يلزم من العبر والدروس، ولتلافي ما علق بها من أخطاء وشوائب وثغرات، بما يمهد الطريق للنهوض بهذه العلاقات على أسس واضحة من التكافؤ والاحترام الكامل والتبادل لسيادة الدولتين واستقلالهما على قاعدة رفض العودة الى أي شكل من أشكال الوصاية الخارجية.
لذا يجب:أ ــ اتخاذ الحكومة اللبنانية كل الخطوات والإجراءات القانونية المتعلقة بتثبيت لبنانية مزارع شبعا وتقديمها الى الأمم المتحدة (...).
ب ــ ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا (...).
ج ــ مطالبة الدولة السورية بالتعاون الكامل مع الدولة اللبنانية من أجل كشف مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية (...).
د ــ إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين وتوفير الظروف الملائمة لها بما ينقل العلاقة من الأفراد والمجموعات الى علاقة بين المؤسسات. ولاحقاً تبنّت طاولة الحوار التي ضمت المعارضة والموالاة هذه البنود، على رغم الكلام الكثير الذي قيل عنها، والاتهامات التي وجهت للعماد عون إثر توقيع التفاهم بتبني الخيار السوري.




نصر الله: شكراً سوريا

ماذا قال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في 8 آذار، التاريخ الذي تحوّل إلى هوية حركة سياسية؟
«نؤكد أن أي تنظيم للبقاء أو الانسحاب السوري من لبنان يجب أن يكون محكوماً فقط باتفاق الطائف (...) سوريا التي جمعتنا بها مشيئة الله وحقائق الكون والتاريخ والجغرافيا والقربى والمصير الواحد، في هذا اليوم نجدد لها شكرنا، ونجدد تمسكنا بها ونطلب لها العيش الكريم والعزة والرأس المرفوع (..) لسوريا نقول: عاشت سوريا الأسد، وسيبقى عرين الأسد في دمشق عريناً لكل أسود لبنان».




خوري: تأثير سلبي

يؤكد الأمين العام للمجلس السوري اللبناني الأعلى نصري خوري أن البحث في تعديل الاتفاقات الموقعة بين حكومتي لبنان وسوريا «لم يتعدّ التصاريح الإعلامية». ويشير إلى تأثّر العلاقات الاجتماعية سلباً وخصوصاً مع لجوء بعض اللبنانيين إلى ممارسات ومواقف عنصرية «لكن مرور الوقت سمح بعودة التواصل الشعبي إلى طبيعته».
ويرى خوري أن الخطاب السياسي «انعكس على المشاريع الاقتصادية المشتركة وأبطأ تطورها وفي مقدم هذه المشاريع: إقامة المكاتب الحدودية المشتركة، سكة الحديد، نهر العاصي، والنهر الجنوبي الكبير وشمل الفتور مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية لكن بعد حرب تموز، بدأت العلاقات الشعبية تعود إلى طبيعتها، والدليل هو الازدحام على الحدود اللبنانية السورية في الاتجاهين».