strong> عبير قبيسي
أعمل منذ شهر على تضمين ملفّي الشخصي الأوراق اللازمة لإرساله إلى أربع جامعات فرنسية لمتابعة الدراسات العليا. وقد طُلب مني إتماماً للملف شهادة بالعلامات ولائحة مواد البرنامج الدراسي الذي تابعته مدى أربع سنوات مرفقةً بمجموع الساعات الدراسية باللغة الفرنسية. فما كان مني إلا أن توجّهت إلى كلّيتي للحصول على هذه الورقة الأخيرة، علماً بأنني كنت قد «سحبتُ» شهاداتي للسنوات الأربع باللغة الفرنسية من الكلية نفسها. إلاّ أنّ إحدى الموظفات نفت إمكانية إعطائي مثل هذه الورقة باللغة الفرنسية، فاقترحتُ عليها العودة إلى الشهادات باللغة الفرنسية التي تتضمن أسماء جميع المواد. وعمدتُ إلى إستشارة إحدى المعلمات اللواتي علّمنني في الكلية، فقالت إنّه يمكن الاستعانة بخبرات الكلية في الفرع الثاني حيث تدرّس معظم المواد باللغة الفرنسية. عدت وشرحت الأمر للموظفة عينها وقلت لها إنّ الدكتورة فلانة مستعدة للمساعدة في شأن هذه الورقة وإنّها تنصح بالاتصال بالفرع الثاني لتوفيرها، غير أنّ الموظفة رفضت الاقتراح وأوضحت أنّها ستنسق مع الدكتورة، وستستعين بالشهادات.
يُذكر أنني كنت قد أخبرتُ الموظفة بأنّ الموعد النهائي لإرسال الورقة بات قريباً، ورجوتها أن تسرّع العملية، فوعدتني بأنّها ستبذل جهدها، وإن كان الأمر سيستغرق بعض الوقت. في اليوم التالي، حاولت الاتصال بالكلية فأكدت الموظفة أنّها ما زالت تعمل على إعداد الورقة. ثم عاودت الاتصال بالموظفة نفسها للسؤال عن الورقة «الشهيرة»، فقوبلت بالجواب نفسه: «ما زلتُ أعمل على إنجازها وأحتاج إلى مزيد من الوقت وإذا أنهيتها سأتصل بك فوراً». رحتُ أتصل بها يومياً وهي تقذف بي إلى اليوم التالي، علماً بأنني حددت لها تاريخ المهلة الأخيرة لإرسال الملف. وفي اليوم الموعود، أكدت الموظفة أنّها أدخلت الورقة إلى مكتب المدير غير أنّه مشغول جداً ولديه صفوف تعليمية ولن ينتهي من عمله قبل الثانية من بعد الظهر، لذا من الأفضل أن آتي في اليوم التالي. عندها فقدتُ صوابي فعلاً، ولجأتُ إلى أحد الأساتذة في كلّيتي، فنصحني باللجوء إلى عمادة الكلية وهذا ما فعلته. كتبت رسالة إلى العميد التمستُ فيها المساعدة وشرحتُ ملابسات قضيتي، وأرسلتها بواسطة الفاكس، وكانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف. وحين اتصلت بالعمادة للتأكد من وصول الرسالة تسنّى لي الحديث مع العميد مباشرة، فاستمع إلى روايتي المفصّلة وطلب مني إقفال الخط وإعادة الاتصال بعد خمس دقائق وهكذا فعلت. فجاء الجواب بأنّ المدير سيوقّع المعاملة اليوم وبأنّه عليّ التوجّه شخصياً إلى الجامعة للحصول على معاملتي. اتصلت بالكلية فنصحتني الموظفة بالحضور فوراً، حيث إن المدير في مكتبه والفرصة سانحة لمخاطبته مباشرة فأسرعت وتوجّهت إلى الكلية. وصلت هناك، في الواحدة والنصف، وانتظرت مع الموظفة خارج مكتب المدير حوالى ربع ساعة قبل أن يأذن لي بالدخول لمقابلته، وعندئذ أسمعني بعضاً من العتب الجميل الذي يبيّن مدى انشغاله ودقته بحيث أنه «لا يوقّع أية معاملة من دون أن يقرأها بالتفصيل وخصوصاً أنّها باللغة الفرنسية وبأنّ عليّ الانتظار»، فأخبرته بأنّ صبري قد نفذ من طول الانتظار، والظروف قاهرة لأن البريد يجب أن يخرج من لبنان اليوم بالتحديد... وتابع بأنه ألغى موعد غداء طارئ مع أحد الخبراء الكنديين وأنه اضطر إلى الاتصال للاعتذار...
على مضض، قرأ المدير المعاملة، ووضع عليها ملاحظاته للتصحيح، ومن أهم الملاحظات كانت «الأكسان» (Accent) على الحرف الفرنسي (e). وطبعاً كان علينا تصحيح الأخطاء التي أشار إليها ولكن أين «الفتاة» المسؤولة عن الطباعة على الحاسوب؟ لقد انتهى دوامها ورحلت إلى بيتها. و«موظفتنا» لا تعلم أين حُفظ ملف «المعاملة» وكيفية وضع «الأكسان» فاقترحت أن أقوم بنفسي بهذا العمل وما عليها سوى إرشادي إلى الحاسوب. وبالفعل، حسناً فعلت، وصحّحتُ الأخطاء الواردة وأضفتُ لمساتي التدقيقية الأخيرة. وأعدنا المعاملة مطبوعة إلى المدير ليلقي عليها النظرة الأخيرة ويوقّعها، فأظهر دهشته معاتباً «أما قلتُ لكم بأن «الأكسان» في كلمة (grave» (Année» وليس «aigu». كدت أُصاب بالفالج، لكنني لم أنبس ببنت شفة وتركت الأمر للموظفة، فقالت له «لا يا حضرة المدير عذراً، ولكنّه «Aigu»، فأصرّ على أنه Grave مصحّحاً خطأنا للمرة المليون! وأنه، «ولو»، قد درس في فرنسا لمدة ثماني سنوات وأنه ليس ابن البارحة في اللغة الفرنسية!
طأطأت رأسي محبطةً وأعدت تشويه الأخطاء كما قال لي أن أفعل، وعدت وأنهيتها ليراها مطبوعة ويوقّع عليها، وانتهت القصة على خير (وأصبحت كلمة Annèe على هذا الشكل في المعاملة). إنّه خطأ Grave وAigu (والمقصود هنا فظيع وحاد).