جوان فرشخ بجالي
اكتشفت بعثة علمية ألمانية بعلبك معبداً للإلهة مدوسا وحمامات رومانية تعدّ الأكبر في الشرق الأوسط. هذان الاكتشافان يعيدان كتابة تاريخ مدينة الشمس التي كانت الدولة خططت لاستملاكها قبل الحرب، واشتهرت بمعابدها الثلاثة: جوبتر وفينوس وباخوس

انتهت أمس أعمال البعثة الأثرية الألمانية في بعلبك التي تدرس بشكل علمي كل المعالم الرومانية في المدينة لفهم دورها تاريخياً... لكن هذه الزيارة الدراسية أثمرت اكتشافين أثريين لم يكونا في ذهن فريق البعثة من الطلاب.

دراسة تاريخية

تشتهر مدينة بعلبك بمعابدها الثلاثة: جوبتر، فينوس وباخوس، لكن ماذا عن بقية الآثار في المدينة؟ وما هي تلك الأعمدة التي تنتصب في بستان الخان؟ وإلى أي فترة تعود؟ وما هو معبد الإله مركور؟ ولماذا بني معبد فينوس في وسط المدينة؟
أسئلة تحاول هذه البعثة الإجابة عنها عبر دراسة المباني الأثرية التي كانت فرق من «المديرية العامة للآثار» في لبنان قد اكتشفتها ورمّمت بعضها بين عامي 1960 و1975. وكان عمل الفريق اللبناني حينها يدخل ضمن خطة لاستملاك مدينة بعلبك بكاملها وتدمير منازلها وتحويلها إلى موقع أثري ضخم. وبالفعل استملكت المديرية أراضي شاسعة وبدأت العمل فيها، وأظهرت معالم ضخمة لم تقم تلك الفرق حينها بدرسها فأصبحت مجرد روائع هندسية لا تخبر قصة المدينة.
هذا العمل يحاول فريق علمي ألماني استكماله اليوم، مع أكثر من عشرة طلاب دراسات عليا. تشرح مديرة البعثة الدكتورة مارغريت فان إس «إن هذا الفريق أتى في شهر نيسان بعلبكَ بعدما كان قد استحال عليه المجيء خلال شهري تموز وآب الماضيين بسب الحرب الاسرائيلية». وتقول «لو لم نأت لكان التلامذة خسروا سنة كاملة من الأبحاث وبالتالي تأخّر مستقبلهم المهني بشكل جدي. لذا كان لا بد من تنظيم هذه البعثة التي ستستكمل عملها في شهري تموز وآب المقبلين، كالعادة».

«فينوس» و«مدوسا»

ويتقاسم أعضاء الفريق العمل في المدينة بحسب اختصاصاتهم. فبعضهم يدرس معبد فينوس الواقع في ساحة بعلبك وخارج أسوار «القلعة» أي مجموعة المعابد الكبرى. وهذا المعبد لا يشبه أي معبد آخر، فهو مبني في حفرة فيما أن المعابد تشيّد عادة على رؤوس الجبال أو على الأقل ترتفع إلى مستويات أعلى من مباني المدينة. وسرعان ما تحوّلت دراسة هذا المعبد إلى اكتشاف علمي بحق. فهو يرتفع على أنقاض معبد أقدم منه يُعتقد أنه لإلهة مدوسا ربّة الحكمة التي حوّلت الإلهة أثينا شعرها إلى ثعابين، فإذ بها ترعب كل من ينظر إليها. لذا جرت العادة أن يُنحت أو يُرسم وجهها المخيف على أبواب المدن والبيوت وعلى الدروع، لكي ترعب الأعداء وتبعد الأرواح الشريرة. وهذه المرة الأولى التي يُكتشف فيها لهذه المخلوقة من الميثولوجيا الإغريقية معبد في لبنان.
وتقول الدكتورة فان إس «إن المعبد يعود إلى أولى فترات سكن المدينة من قبل الرومان. وتدل هندسته على أن بناءه كان صلباً ولكن من دون أي تفنّن في الزينة أو نقش الحجارة، عكس حال معبد فينوس الذي يتميز بهندسته الفريدة وحجارته المزخرفة».
وتحاول فان إس أن تشرح سبب اختيار هذا الموقع بالذات لبناء هذا المعبد «لقد أظهرت دراسات انحدار الأرض في بعلبك أن مياه رأس العين وحتى مياه المدينة تتجمع كلها في هذا الموقع وبالطبع تغمر أرضية المعبد. فيصبح هذا الخير كأنه عائم، وقد يكون ذلك هو الهدف من بنائه في هذه المنطقة بالذات».

لماذا بُني «باخوس»؟

فريق آخر من البعثة يدرس معبداً للإله مركور، إله التجارة والسفر عند الرومان، الذي كان يعلو تلة الشيخ عبد الله المطلة على بعلبك. وكان المعبد قد تعرض لعملية نهب واسعة خلال الحرب الأهلية، واستُعمل موقعاً عسكرياً للقوات السورية ومن ثم اللبنانية. وكما جرت العادة لم تتردد الجيوش باستعمال الجرافات لإزالة الأتربة وبناء المتاريس حتى لو كان الموقع أثرياً، ما تسبب في شبه إزالة للمعبد من الوجودلكن شكله الهندسي معروف تاريخياً، فواجهته كانت قد نُقشت على إحدى القطع النقدية للأمبراطور الروماني فيليب العربي تظهر عليها أدراجه الملتوية والأعمدة. وتقول فان إس «بعد عملية تنظيف المعبد من الأتربة، استطعنا إظهار ما بقي من تلك الواجهة. وهذا المعبد يشبه إلى حد كبير معبد باخوس ولكنه أصغر منه حجماً. ولكن وجوده في بعلبك يطرح تساؤلاً آخر. لقد شيّد الرومان ثلاثة معابد للثالوث المقدس: الأب أي الإله جوبيتر، الأم وهي الإلهة فينوس وولدهما الإله مركور، ولكن لأية غاية بُني معبد باخوس إذاً؟ سؤال يبقى من دون جواب».
أما الاكتشاف الأكبر للفريق الألماني فقد حصل في بستان الخان حيث عثر العلماء على أكبر حمامات رومانية في الشرق الأوسط. وتشرح الدكتورة فان إس «كل شيء في بعلبك مبني ليكون ضخماً وكبيراً، وهذه الحمامات تتبع تلك القاعدة».
وكان فريق من «المديرية العامة للآثار» قد قام في ستينيات القرن الماضي بأعمال حفر ودوّن مديره كالايان في ملاحظاته أنه عُثر على ما يشبه الحمامات الرومانية، من دون إضافة المزيد، بل عمل الفريق على رفع الأعمدة التي كانت تزيّن مدخل الحمامات والتي تعلوها القناطر... ثم نشبت الحرب وتوقف العمل.
وهذه المنطقة محظورة اليوم على السياح. ولكن بعد تنظيفها ودراستها، سيعمل فريق مختص من ضمن مشروع البنك الدولي لتأهيل المواقع الأثرية على فتح ممر يصل هذا الموقع بالمعابد الرومانية، فتصبح حينها جزءاً من الطريق السياحي. وسينجز الفريق الألماني دراسته قبل بدء التأهيل. وقد اكتشف أخيراً مسرح صغير بني أمام مدخل الحمامات التي تتميز أيضاً بباحات كبيرة وأماكن للقاءات والنقاشات.
والجدير بالذكر أن الدراسة الأثرية لبعلبك تتركّز إلى حد كبير على المباني. فلسبب ما، لم يعثر العلماء في أنقاض هذه المدينة على كمّ هائل من القطع الأثرية مثل الفخار والزجاج والمصكوكات كما يفترض، وما من إجابة حتى الآن عن هذا اللغز التاريخي.
بعلبك لم تفشِ بعد كل أسرارها، وعمل هذا البعثة سيزيل الغموض عن بعض نواحي الحياة... لكن المدينة المدفونة تحت التراب لا تزال تخفي في طيّاتها تفاصيل الحياة اليومية داخل حدودها.



أرقام وتواريخ

بدأت الــــــــبعثة الألمانية العمل في بعلبك عام 1996 عندما قررت تمويل المتحف الأثري للمدينة الذي يمتد في أقبية المعابد ويُظهر تـــــــــــاريخها، وتنفيذه.
وبعد إقامة المتـــــــــحف، قرر معهد الآثــــــــــار الألماني في الشرق الأوسط دراسة كل المعالم الأثرية المكتــــــــــشفة في المدينة، ونشر نتائج هذه الأبحاث في مجلات علمية.
وستنهي هذه البعثة عملها في السنوات الثلاث المقبلة، وهي تشجع علماء الآثار اللبنانيين على الانضمام إليها.








محاولة ترميم بوذا باميان في أفغانستانوقالت حاكمة باميان حبيبا سورابي في مقابلة مع قناة CBS الأميركية إن العمل يتم الآن لتوفير مبلغ 50 مليون دولار لترميم أحد التمثالين اللذين فُجّرا، وهو مبلغ يعدّ خيالياً بالنسبة إلى هذه المنطقة الفقيرة. وإلى حين توفير المبلغ يجري العمل على هذا المشروع ببطء شديد بعدما كانت فرق من المهندسين الأفغان والأوروبيين قد عملت في العامين الفائتين على تجميع ما بقي من أحد التمثالين اللذين تطايرت أجزاؤهما في محيط الجبل بعد تفجيره. ويقول عدد من هؤلاء الخبراء أنه عُثر على 60% من قطع التمثال، فيما أن البقية كانت قد «تبخّرت» في الجو على إثر التفجير الذي صدّع واجهة الجبل، ما يتطلّب تقويتها.

العثور على مملكة شواه في إثيوبيا

ذكر المؤرخون ما بين القرنين العاشر والسادس عشر الميلاديين، مملكةً تدعى الشواه تسيطر على الطرق التجارية الواقعة بين الممالك المسيحية في شمال إثيوبيا والمدن الإسلامية الواقعة على البحر الأحمر. وبعدما اندثرت المملكة ضاعت معالمها وتاهت في النسيان فاستحال تحديد مكانها جغرافياً.
إلا أن فريقاً علــــــــــمياً فـــــــرنسياً تابع للمعهد الوطـــــــــني للأبحاث أعلن في تصريح صحافي أنه عثر أخيراً على ثـــــــــلاث مدن تعود إلى تلك الفـــــــترة التاريخية وتتمتع بنسيج عمراني ضخم، ما يؤكد أنها ازدهـــــــــرت اقتصادياً، وقد تكون القلب النابض لهذه المملكة المندثرة.
وقد أكد الفريق عثوره على مساجد، قد تكون الأكبر في إثيوبيا، وقصور ومبانٍ سكنية وأخرى تجارية داخل شوارع هذه المدن التي لا تزال جدران بعض أبنيتها ترتفع عدة أمتار.
وسيعود الفريق الفرنسي في السنة المقبلة الى هذه المنطقة الواقعة في جنوبي شرق إثيوبيا للبدء بحفريات أثرية ضخمة تظهر أهمية الاكتشاف وتسلط الضوء على هذه الفترة التاريخية التي شهدت ازدهاراً اقتصادياً كبيراً.

شرق إيران يتعرّض للنهب

أشار مدير مكتب دراسات «سيماره» التاريخية، بهزت فرحديان إلى «أن المواقع الأثرية الواقعة في شرقي إيران تتعرض لعملية نهب واسعة». وشكا من قلة اهتمام السلطات المختصة بهذه المنطقة «مع العلم بأن هناك عدداً كبيراً من الآثار لإثبات أهميتها التاريخية».
وأكدّ فرحديان أن عدداً كبيراً من الكهوف المحيطة بالمنطقة الأثرية تتعرّض لعملية سرقة واسعة لأن أهالي المنطقة مقتنعون بأن هناك كنوزاً داخل الكهوف لدرجة أن العائلات الكبرى تقاسمت الجبال والكهوف منعاً لأي مشاكل قد تطرأ بين العاملين هناك.
يُذكر أن هذه المنطقة، الواقعة قرب شلالات زاناغورش، تعود إلى الفترة الساسانــــــــــــية، وأشهر مواقعها هي مدينة سيماره الأثرية.
وتؤثر هذه السرقات بالطبع في تاريخ المدينة وتدمّر المدن القديمة حتى قبل اكتشافها ودراستها.