strong>عمر نشابة
جريمة قتل بشعة طاولت شاباً ومراهقاً بعد خطفهما منذ مطلع الأسبوع.
التحقيقات مستمرّة والنتائج الأولية تشير الى «إعدام» بأسلحة مختلفة في مكان مجهول. المشتبه فيهم هم أشقّاء شاب آخر كان قد قتل بطريقة بشعة مطلع السنة... لكن لا علاقة للشهيدين بالمتهمين بقتل الشهيد الأول

وُوري أمس الطفل زياد الغندور (12 سنة) والشاب زياد قبلان (25 سنة) في ثرى مقبرة الشهداء في قصقص. وكانت قوى الأمن الداخلي قد عثرت على جثماني الشابين ليل أول من أمس في ساحل إقليم الخرّوب وتحديداً منطقة جدرا قرب الطريق العام. وقالت جهات أمنية إن الشابين خُطفا في منطقة الشياح في محيط مستشفى الحياة قرب مقهى المختار حيث وجدت سيارة الـ«رينو رابيد» التابعة لشركة تجارية كان يعمل لحسابها زياد قبلان، وكان الشهيدان في داخلها قبل اختطافهما.
يشرف على التحقيقات مدعي عام جبل لبنان بالوكالة القاضي غسّان عويدات لا القضاء العسكري كما تردّد في وسائل الإعلام. لكن الجيش نقل سيارة الـ«رينو رابيد» الى مقرّ أمني حيث يعمل المحققون على أخذ عينات منها يمكن أن تساعد على كشف الجريمة.
وصدر بلاغ بحث وتحرّ بحقّ أشخاص من آل شمص هم أشقاء الشهيد عدنان شمص الذي قُتل يوم 25 كانون الثاني الماضي. اذ إنّ هؤلاء كانوا قد أعربوا عن عدم ارتياحهم لتحقيقات القضاء العسكري في جريمة قتل شقيقهم. وخصوصاً في ما يتعلّق باعتراف شخص سوري يدعى علاء ا. بقتل عدنان شمص وتمثيله الجريمة. فتقدّم أشقاء عدنان شمص يوم 3 نيسان الماضي بشكوى ضدّ 15 شخصاً اتهموهم بالمشاركة «بجرم القتل عمداً والتعذيب الجسدي والتمثيل بالجثة وتأليف العصابات المسلحة وإثارة الفتن الطائفية وما قد يظهره التحقيق من جرائم أخرى». لكن لا علاقة تربط الـ15 شخصاً الذين يتّهمهم آل شمص بقتل شقيقهم بالشهيدين قبلان والغندور ولا بأقاربهما. لكن الشكوى، بحسب وكيل آل شمص المحامي بلال الحسيني، لم تسجّل في قلم قاضي التحقيق الأول في بيروت حتى اليوم.
أشقّاء عدنان خمسة، وتقوم الأجهزة الأمنية بجمع معلومات تساعدها على تحديد مكان وجودهم بعدما تبين، بحسب مصدر أمني، أنهم غادروا منازلهم منذ يوم الخطف (الاثنين). وذكرت مصادر أمنية لوكالة الأنباء المركزية أن التحقيقات بيّنت أن هناك ثلاثةً مشتبهاً فيهم معروفي الهوية ولدى الأجهزة الأمنية صورهم، وأنه جرى دهم أكثر من 70 مكاناً في الضاحية الجنوبية والبقاعين الأوسط والشرقي دون العثور على أثر للمطلوبين، ورجحت هذه المصادر أن يكونوا قد فروا الى خارج لبنان مباشرة بعد تنفيذ جريمتهم. وبعد تمكّنها من تحديد هوية أصحاب السيارات التي استخدمت في الخطف، ما زالت الأجهزة الأمنية تحتجز عدداً من الأشخاص قيد التحقيق لارتباطهم بالإخوة شمص أو لاحتمال معرفتهم بالخطط التي وُضعت لارتكاب الجريمة.
العثور على الجثتين
وكانت قوى الأمن الداخلي قد عثرت أول من أمس على جثتي الشهيدين وحضرت الى المكان عناصر أمنية من مختلف الأجهزة. وقبل نقل الجثتين من المكان أوقع العدد الكبير من العسكريين والصحافيين والمواطنين الذين حضروا لتفقّد الحدث، أضراراً في ما يمكن اعتبارها أدلّة جنائية محتملة، إذ جالوا في محيط الجثتين وعاينوهما يدوياً من دون اعتماد منهجية مهنية.
حضر لاحقاً إسعاف تابع للدفاع المدني لكنه كان عبارة عن حمّالة واحدة فقط، فطلب الاستعانة بإسعاف إضافي لنقل الجثّة الثانية. وبعد نحو نصف ساعة من الانتظار حضر الإسعاف الثاني. ولم يكن جميع عناصر الدفاع المدني الذين نقلوا الجثّتين مجهّزين بقفّازات نايلون خاصّة بهذه المهمّة. وعندما استفسر أحد المسؤولين عن سبب ذلك النقص بالتجهيز علم أن مديرية الدفاع المدني كانت قد طالبت بتزويدها المزيد من سيارات الإسعاف لكن طلباتها لم تلبّ بعد.
التحقيق الجنائي والتشريح
نقلت الجثّتان الى مستشفى المقاصد الخيرية الإسلامية في منطقة الطريق الجديدة وقامت بتشريحهما لجنة من الأطباء الشرعيين بتكليف من القاضي عويدات. وضمّت اللجنة الأطباء منيب عويدات ومنصور معوّض وحسين شحرور. وكان هؤلاء قد عاينوا الجثتين ايضاً في مكان العثور عليهما قبل نقلهما الى المستشفى. وتبين أن الضحيتين لم يتعرّضا للتعذيب الجسدي قبل «إعدامهما». كما تبيّن أن مكان جريمة القتل ليس هو نفسه مكان العثور على الجثتين، لعدم وجود أدلّة تشير الى ذلك في جدرا ومحيطها من جهة، ولاحتمال عدم قتلهما داخل السيارة من جهة اخرى، لكون إطلاق النار عليهما قد تمّ من مسافة لا تقلّ عن متر.
ولم يتمكّن الأطباء الشرعيون من انتشال كلّ الرصاصات التي استقرّت في جسدي الشهيدين لغياب التجهيزات الطبّية اللازمة في مستشفى المقاصد. فمشرحة المستشفى ليست مخصّصة للمباحث الجنائية، وفي لبنان ليس هناك مشرحة متخصّصة بهذا النوع ومجهّزة بالأدوات والتكنولوجيا المطلوبة.
بعد تفحّص جثة زياد الغندور تمكّن الأطباء الشرعيون من تحديد ثلاث رصاصات دخلت رأسه. واحدة من الجهة الخلفية للرأس والثانية من أمام الأذن اليسرى، أما الثالثة فمن زاوية الفكّ الأيمن. وتمكّن الأطباء من استخراج رصاصتين من رأس الضحية، تبين لاحقاً أنهما من عيارين مختلفين، ويرجّح أن تكون إحدى الرصاصتين من عيار 9 ملم والأخرى من عيار 7 ملم. أي إن الغندور كان قد أصيب من ثلاث جهات مختلفة وبسلاحين مختلفين (أو أكثر). كما تبيّن للأطباء الشرعيين أن مصادر الرصاصات تبعد عن المغدور مسافة متر واحد على الأقلّ. والدليل عدم اختراق الطلقات النارية جمجمتي المغدورَين.
بالنسبة إلى جثّة زياد قبلان تبيّن بعد التشريح أنها مصابة أيضاً بثلاث طلقات، اثنتان منها دخلت الرأس من الجهة اليسرى والثالثة من وسط مؤخرة الجمجمة. ولم يتمكّن الأطباء من استخراج الرصاصات الثلاث.
وتنبّهت عناصر الأدلة الجنائية في الشرطة القضائية لوجود بقع من الدم صغيرة تحت رأس الغندور في مكان العثور عليها. فأخذت عينات منها وأرسلت الى مختبر جنائي للتأكد مما اذا كانت تعود إلى الضحية أم إلى شخص آخر قد يكون ضالعاً في الجريمة.
نقص في التجهيزات
لا تتوافر في لبنان تقنيات التحقيق اللازمة لدراسة الطلقات التي استُخرجت من جسدي الشابين بشكل دقيق وكامل. وبالتالي سيكون من الصعب، محليّاً، تحديد تفاصيل عن النوعية والكيفية في استخدام مصدر النار (المسدّس). ويصعب تحديد ما اذا كانت المسدّسات مجهّزة بكواتم للصوت.
النقص في التجهيزات بشكل عام قد يفسّر عدم طلب القضاء المشرف على التحقيقات إرسال ملابس القتيلين الى المختبرات الجنائية لدراستها بدقّة بحثاً عن أدلّة مجهرية قد تدلّ على هوية الجناة. لكن القضاء أوعز بالبحث عمّا اذا كان الجناة قد استخدموا مواد مخدّرة أو منوّمة خلال الخطف وأرسلت العيّنات الى المختبرات لفحصها.
جدير بالذكر هنا، إضافة الى عدم توافر مشارح جنائية تابعة للمباحث العلمية في الضابطة العدلية، أن المختبر المركزي معطّل والمختبرات التابعة للشرطة محدودة القدرات وتنقصها لوازم ولا توفّر الدولة الأموال الكافية لشرائها. وهكذا تستعين الضابطة العدلية بالمختبرات الخاصّة التي تحصّل أتعابها من خزينة الدولة. والمشكلة أن جميع المختبرات في لبنان، الخاصة والعامة منها، ليست قابلة للحصول على شهادة التفويض المهني (ACCREDITATION) بحسب المعايير الدولية للمختبرات الجنائية. ما قد يتطلّب إرسال الضابطة العدلية العيّنات التي في حوزتها الى مختبرات في الخارج.