وفاء عواد
جنبلاط يدعو لوأد الفتنة وعدم تسييس الجريمة: المقاومة تجمعنا... ولا فرق بين بيروت والضاحية


«لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله». بهذا الهتاف ودّع أهالي بيروت ومنطقة وطى المصيطبة، أمس، الشهيدين زياد قتلان (25 عاماً) وزياد الغندور (12 عاماً) اللذين لقيا حتفهما في جريمة امتدت فصولها من ساعة اختطافهما يوم الإثنين الفائت في محلّة عين الرمانة إلى حين العثور على جثتيهما في منطقة جدرا (الشوف)، أول من أمس، وسط الغموض الذي لا يزال يحيط بظروف الحادثة وهوية منفّذيها.
الحزن والأسى الممزوجان بالغضب والاستنكار كانا سيّدي الموقف، تخلّلهما إطلاق هتافات تحريضية (مذهبية وحزبية) من قبل بعض من حاولوا «اختراق» حدود قدسية المناسبة، ورهبة الموت وحّدت الدموع في المقل أمام مشهد النعشين اللذين ضمّا جسدي الشهيدين وحملا على الأكفّ في أكثر من محطة، مع ما تخلّل هذه اللحظات الأليمة من تفاصيل واكبها نثر الأرزّ والورود وإطلاق الزغاريد والأسهم النارية والهتافات المؤيّدة لـ«الزعيمين وليد جنبلاط وسعد الحريري».
الانطلاق من أمام مستشفى المقاصد حيث بات الفقيدان ليلتهما، بعيداً عن الأهل. نظرة الوداع الأخيرة في منزلي أهلهما المتواضعين. صيحات الفداء لـ«أبو تيمور» وتوجيه «التحية الرمزية» إلى «الحزب التقدّمي الاشتراكي» لدى مرور النعشين أمام مقرّه في وطى المصيطبة. قراءة الفاتحة عن روح الراحلين أمام جامع الإمام علي في الطريق الجديدة، وصولاً إلى جامع الخاشقجي في محلة قصقص حيث صلّي على الجثمانين قبل أن يواريا في الثرى في مدافن الشهداء.
فوسط إجراءات أمنية مشدّدة، وفي ظل حضور كثيف لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية، انطلق موكب التشييع من محلة الكولا، تتقدّمه صورتا الشهيدين وحملة أعلام «التقدّمي» و«المستقبل» و«الجماعة الإسلامية» و«المرابطون»، إضافة إلى بعض الأعلام اللبنانية، وذلك وسط حضور سياسي وحزبي وشعبي، تقدّمه الوزراء: غازي العريضي، جو سركيس (ممثلاً رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع) ومروان حمادة، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، النائب عمار حوري (ممثلاً النائب سعد الحريري)، إضافة إلى عدد من نواب «اللقاء الديموقراطي» و«المستقبل»، عميد «الكتلة الوطنية» كارلوس إده، قبل أن ينضمّ إلى الموكب عضوا «كتلة التنمية والتحرير» النائبان: عبد اللطيف الزين وياسين جابر (ممثلين رئيس مجلس النواب نبيه برّي) ووزير الداخلية حسن السبع ممثلاً رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
محطة ما قبل المثوى الأخير كانت في جامع الخاشقجي الذي ارتفعت فوق بوابته الرئيسية أعلام «الاشتراكي» و«المستقبل»، وأقيمت فيه مراسم التشييع وسط هتافات التكبير، بعدما انضمّ إلى المشيّعين الوزير جان أوغاسبيان، النائب بيار دكّاش، النواب السابقون: نسيب لحّود، تمام سلام، غطّاس خوري وكميل زيادة، مفتي صور وجبل عامل السيد علي الأمين، الشيخ غسان الحلبي (ممثلاً شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز)، عضو الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» إدي أبي اللمع، وفد من «الجماعة الإسلامية»، وشخصيات سياسية وحزبية وروحية واجتماعية وتربوية.
وبعد أن أمّ الصلاة على الجثمانين مدير أزهر لبنان، ممثل مفتي الجمهورية، الشيخ صلاح الدين فخري، سجّي النعشان في قاعة محيي الدين برغوت المجاورة للمسجد حيث ألقى أهلهما النظرة الأخيرة على تابوتين بقيا مغلقين ووضع على أحدهما العلم اللبناني (تابوت غندور) وعلى الآخر راية سوداء.
وتضمّن حفل التأبين كلمة لمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، ألقاها بالنيابة عنه الشيخ فخري، استنكر فيها «الكارثة الجلل»، وأهاب بالقضاء والجهات الأمنية المختصة «اقتفاء أثر مرتكبي الفاجعة، وسوقهم إلى العقاب والقصاص»، مشيراً إلى أن تجليات المشاعر والوحدة بين اللبنانيين تجاه الجريمة «تسدّ باب الفتنة والتخاصم والعداوة».
كما ألقى جنبلاط كلمة، جدّد فيها إطلاق الدعوات الهادفة إلى ضرورة «إبعاد التسييس عن الحادثة»، و«ترك القضاء ليأخذ مجراه»، و«الإقلاع عن الشائعات المغرضة» التي توقظ نار الفتنة، مؤكّداً أن «الدولة فقط هي حمايتنا، بجيشها وقواها الأمنية وقضائها».
ومنتقداً «الإعلام المسيء المحرّك للفتن المذهبية»، رأى جنبلاط أنه «لا فرق بين بيروت والطريق الجديدة والضاحية»، مستذكراً الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما حدث في الضاحية في حرب تموز الأخيرة ليؤكّد أن «النضال يجمعنا، والمقاومة تجمعنا، أكثر بكثير من الخلاف السياسي». وإذ دعا الجميع الى أهمية «العودة الى الضمائر، وإبعاد الفتنة»، أثنى على مواقف آل شمص، وتحديداً النائب السابق يحيى شمص، وعلى ما ورد في بيان «حزب الله» من إدانة للجريمة، شاكراً رئيس مجلس النواب نبيه بري، خاتماً كلمته بالقول: «لنتوحّد جميعاً تحت راية الدولة، ولننتظر نتائج التحقيق بهدوء وصمت، ولنعتبر زياد وزياد شهيدي الوحدة الوطنية».
وبعد انتهاء مراسم التشييع والحفل التأبيني، حمل أصدقاء الفقيدين ومحبّوهما النعشين على الأكفّ، وسط الدموع وصرخات الغضب والأسى، وصولاً إلى مدافن الشهداء حيث ووري الشهيدان في الثرى، مع توصية أخيرة وجّهتها أمّ شاركت والدتي الشهيدين حزنهما: «يا شباب. ما تموتوا كرمال عيون أي زعيم».
ردود الفعل
إلى ذلك، أثارت الجريمة موجة استنكار عارمة تركّزت، إضافة إلى الشجب والإدانة، على التنويه بالمواقف الداعية الى الهدوء ومنع الانجرار الى الفتنة، والمطالبة بكشف الفاعلين ومناشدة القادة وعي خطورة المرحلة والعودة الى الحوار.
ومن أبرز المستنكرين النواب: علي عسيران، مصطفى هاشم، محمود المراد، هادي حبيش، عزام دندشي، أسامة سعد، علي المقداد، حسن حبّ الله، بطرس حرب، ابراهيم كنعان، قاسم هاشم، هنري حلو، نبيل نقولا، ياسين جابر، رياض رحال، عاصم عراجي، قاسم عبد العزيز، أكرم شهيب وإيلي عون، الوزير السابق عدنان القصّار، النواب السابقون: نجاح واكيم، تمام سلام، عماد جابر، وجيه البعريني، عدنان عرقجي، أسعد هرموش، ناصر قنديل، بهاء الدين عيتاني ونسيب لحود، إضافة الى «الكتلة الشعبية» و«التكتل الطرابلسي»، النائب البطريركي لطائفة الروم الكاثوليك المطران يوحنا حداد، متروبوليت صور المطران جورج بقعوني، كبير مشايخ خلوات البيّاضة الشيخ فندي شجاع، مفتي حاصبيا ومرجعيون الشيخ مصطفى غادر، تجمّع العلماء المسلمين، رئيس «جبهة العمل الإسلامي» الشيخ عبد الناصر جبري، رئيس «جمعية الدعاة الإسلامية» الشيخ محمد أبو القطع، اللقاء الإسلامي الوحدوي، هيئة علماء بيروت، تجمع علماء جبل عامل، الشيخ صبحي الطفيلي وإمام مسجد صور الشيخ حسن الحاج موسى.
كما استنكر الجريمة رئيس الجامعة الثقافية في العالم أحمد ناصر، مجلس العمل اللبناني في أبو ظبي، منبر الوحدة الوطنية، عضو المجلس السياسي في «حزب الله» الشيخ حسن عز الدين، الأحزاب والحركات والتيارات: الشيوعي، الديموقراطي، المردة، البعث، الطاشناق، الحوار الوطني، التوحيد اللبناني، الاتحاد اللبناني، طليعة لبنان العربي الاشتراكي، التجدّد الديموقراطي، الإصلاح الجمهوري، العربي الديموقراطي، الناصريون الديموقراطيون، تجمّع اللجان والروابط الشعبية، العربي الاشتراكي، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، المؤتمر الشعبي، حرّاس الأرز، الوطنيون الأحرار، وعد، الجبهة الوطنية اللبنانية، تجمّع الإصلاح والتقدم، اتحاد الشباب الوطني، الجامعة الهاشمية وفروعها في لبنان، اتحاد جمعيات العائلات البيروتية، الملتقى، جمعية أبناء الوطن الاجتماعية وحركة لبنان الشباب.
وصدرت أمس مواقف عربية ودولية نددت بالجريمة فأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن حزنه العميق للجريمة. وقال المتحدث باسم بان، فرحان الحق «إن الأمين العام يضم صوته إلى الدعوات بالتهدئة وضبط النفس».
واستنكرت فرنسا الجريمة. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي: «نشجب بحزم هذه الجريمة المروعة»، وأشار إلى أن باريس تأخذ بالاعتبار توافق كل الجهات السياسية اللبنانية على التنديد بهذه الجريمة ودعوات التهدئة التي صدرت عن الأطراف كافة، وهي تدعو اللبنانيين إلى «التحلي بروح المسؤولية وعدم الوقوع في فخ الأعمال الانتقامية تجنباً لمآس جديدة»، معبراً عن الخوف من استغلال هذه الجريمة من أطراف ومن عواقبها».
وشجبت المفوضية الأوروبية في بيان بشدة الجريمة، موضحة أن هذا القتل والطريقة التي نفذ بها ينمان عن وحشية المرتكبين. وأضافت: «بات من الملح أن تتوصل السلطات اللبنانية إلى كشف القتلة وسوقهم إلى العدالة، وترى المفوضية الأوروبية أن العدالة تمثل عنصراً أساسياً في استتباب الهدوء والاستقرار». وأملت «أن تبدي كل القوى السياسية اللبنانية كل تبصر خلال هذه الفترة الصعبة التي يمر بها لبنان».