طارق ترشيشي
تثير المواقف الهادئة والإيجابية التي يطلقها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط موجة من التساؤلات والتكهنات حول خلفياتها وأبعادها وأهدافها بعدما بلغت الأزمة بين الأكثرية والمعارضة ذروتها بوضع الأمم المتحدة يدها على ملف المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بناءً على طلب نواب الموالاة وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تطعن المعارضة بشرعيتها منذ استقالة الوزراء الشيعة منها في 11 تشرين الثاني الماضي.
أحد التفسيرات يقول إن جنبلاط لا يعوّل على إقرار المحكمة في مجلس الأمن تحت الفصل السابع أو غيره، ويخشى من أن تتحول ورقة للمساومة في بازار التسويات الدولية بيد الولايات المتحدة بحيث تستخدمها لخدمة مصالحها، الأمر الذي يمكن أن يعوق كشف الحقيقة. ولذا لجأ إلى التوجه بخطاب هادئ إلى المعارضة يستبطن رغبة في إعادة وصل ما انقطع بينه وبين بعض قادتها البارزين، وبالتالي الانسجام سياسياً معهم والعودة لاحقاً الى ما كان سُميَ «التحالف الرباعي» إذا كان لا يزال ممكناً إحياء هذا التحالف.
وثاني التفسيرات أن مواقف جنبلاط ربما تنطلق من رغبة لدى الأكثرية بتهدئة الوضع السياسي في هذه المرحلة كسباً لوقت تفرضه ضرورة إقرار المحكمة في مجلس الأمن.
وثالث هذه التفسيرات هو أن معطيات توافرت لدى جنبلاط عن احتمال دخول الولايات المتحدة في تسوية مع سوريا وإيران من خلال مؤتمر شرم الشيخ حول العراق الذي سينعقد في 4 أيار المقبل قد تنعكس إيجاباً على موقف المعارضة اللبنانية، ولذا بدأ باستدارة لملاقاة هذه التسوية وعدم الوقوف ضدها.
غير أن بعض الأوساط السياسية ترى في ضوء المواقف الجنبلاطية المستجدة أن بداية الخروج من المأزق السياسي تكمن في إعادة تأليف المشهد السياسي اللبناني من جديد بما يخالف المشهد الذي ساد بعد وقوع جريمة اغتيال الرئيس الحريري، حيث انتقل جنبلاط يومها الى الموقع المناقض لسوريا وللمقاومة وشكَّل الرافعة السياسية لقوى 14 آذار ابتداءً، وأمَّن الغطاء السياسي لبعض الشعارات والمطالب التي كانت تطرحها بعض القوى السياسية جهاراً كـ«القوات اللبنانية»، وسراً بعض القوى المسيحية الأخرى، وجعل نفسه رأس الحربة الإعلامية، والميدانية في بعض الأحيان، في مواجهة شعارات المعارضة نتيجة حساباته وقراءاته السياسية واستشعاره عن بعد مرة وعن قرب مرة أُخرى بأن الرياح السياسية الدولية التي تنفخ فيها الإدارة الأميركية كفيلة باقتلاع الخيم والهياكل السياسية المحلية والإقليمية وخصوصاً «حزب الله» وسوريا وإيران.
وبما أن جنبلاط يتقن باحتراف ركوب الموجات السياسية، ونظراً لخصوصية طائفته المحصورة والمفتقرة إلى العمق السياسي والطائفي في المنطقة، فإن ذلك يدفعه إلى حمل راية القوى المنتصرة. لكن حسابات الحقل الجنبلاطي لم تنسجم مع حسابات البيدر الأميركي حيث إن حرب تموز قلبت المعادلات السياسية والعسكرية خلافاً للحسابات المادية المجردة والمخططات الأكاديمية في المؤسسات السياسية والعسكرية الأميركية والإسرائيلية.
لكن في ضوء صمود الموقف السوري أمام الحصار والتهويل، والعناد الإيراني الذي اتخذ صفة الحوار المتلازم مع «الهجوم النووي»، والمأزق الأميركي في العراق، بدأ جنبلاط يرى أن أحلام الأميركيين بدأت تتلاشى وأنه لا بد من إعادة التموضع سياسياً، ولو ببطء، ولهذا أعاد برمجة شعاراته السياسية من دفاتره القديمة التي جعلته منذ «الاتفاق الثلاثي» ركناً أساسياً في المعادلة اللبنانية، ثم أعادته أيضاً، وبحجم أكبر، ركناً أساسياً في «التحالف الرباعي».
وقبيل انقشاع الغيوم السياسية المتلبدة في المنطقة، عاد جنبلاط ليبني «جسر العودة» إلى البيئة السياسية التي ترعرع فيها واختار اللحظة المناسبة لدى مقتل الشاب زياد قبلان والفتى زياد غندور، ليلعب دور الإطفائي العاقل علَّه يبني الدعامة الأولى لجسر عودته. وقد نجح حتى اللحظة في تركيزها من خلال ردود الفعل الأولى لدى المعارضة، وخصوصاً لدى «حزب الله»، ولكن بحذر شديد، لأن مشكلة جنبلاط مع حلفائه وخصومه هي أنهم يجب أن يبقوا في متابعة سياسية دائمة لمواقفه على مستوى اللحظة، لا على مستوى اليوم، حتى نتيجة التغير المستمر في موقفه.
ولذا، فإن بعض السياسيين ينصحون المعارضة بتلقف موقف جنبلاط، فإذا اطمأن جنبلاط إلى أن دوره يمكن أن يُحفظ من جديد فإنه لن يبقى متشبثاً بتحالفه «غير الطبيعي» مع بعض أركان 14 آذار ويستريح من «عبء سياسي» يشكله له هذا التحالف داخل طائفته.
فهل تلجأ المعارضة إلى احتضان العمود الأساسي لقوى «14 آذار» أم انها ستفوّت الفرصة وتدفع جنبلاط إلى موقف اليائس الذي يغوص في المراهنة السياسية التي بدأها ويدخل في مسلسل أن يخسر الجميع معه بدلاً من أن يخسر وحيداً؟
أحد قادة المعارضة يقول جواباً عن هذا التساؤل: إن موقف جنبلاط يُدرَس في هدوء، وهناك اتجاه إلى استيعابه وتشجيعه على تطويره.