كمال شعيتو
العمل على إنهاء مشروع الأوتوستراد الدائري وجسر الحازمية ــ المطار جارٍ على قدم وساق، لكن المشروع الذي يُراد له تسهيل حياة المواطنين يضاعف من مآسي سكّان مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين على أكثر من مستوى

صوت المشادّة الكلامية بين طفل لم يتجاوز أعوامه العشرة وأبيه، لا يثير استغراب أحد في مخيم برج البراجنة. يمرّ سكان المخيم قرب الأب وابنه وكأنهما يمرّان قرب دكان اعتادوا وجوده في المكان. فمنذ مباشرة العمل على استكمال الأوتوستراد الدائري والشجار نفسه يتكرر بين الأهالي وأطفالهم تخوفاً من اللعب خارج المنزل لما فيه من خطر على حياتهم.
لكن الطفل بدا وكأنه لا يفقه غير اللعب والمرح. يصمت إزاء عصبية والده، وما إن يدير الأخير ظهره حتى يلتحق بواحدة من مجموعات الأطفال (أعمارهم بين 4 و13 سنة) التي اقتطعت كل منها حيّزاً للعب في الطريق المعبدة حديثاً مقابل المهنية العاملية، بعدما خطفت أعمال بناء الجسر الملعب الرملي الكبير الذي اعتادوا اللعب فيهيؤكد الأطفال أن تعبيد الطريق لم يأت حبّاً بهم بل إثر تعرّض صديقهم جلال قاسم لحادث أليم هناك، ويقول أحد أبناء المخيّم «أغلقوا حفرة أو اثنتين من «الريغارات» التي فتحوها وعبّدوا الطريق مكان الحادثة وكأنهم يغطون آثار الجريمة».
هم يسمونها جريمة لأن عدد اللوحات الإرشادية واللافتات التي تحذّر من وجود حفر في المكان لا يتجاوز الاثنتين، واحدة في أول المخيم لجهة الشرق وأخرى في أول المخيم لناحية الغرب. ولا تخفى على المستكشف للمحيط القضبان الحديد النابتة من الأرض من دون أي غطاء أو عازل يحمي المارة، علماً بأن الأهالي شهدوا العديد من حوادث «الريغارات والحديد النابت».

بداية المعاناة

منذ 21 تشرين الثاني 2005 بدأ «مجلس الإنماء والإعمار» باستكمال مشروع جسر الحازمية ــ طريق المطار لجهة حارة حريك. وكان من المفترض أن يمرّ هذا الجسر في وسط المخيم قاضماً العديد من المنازل، لكن معارضة التنظيمات واللجان الشعبية حالت دون ذلك لِما يُلحق من أضرار مباشرة بالأهالي.
بعد المباحثات والدراسات تقرر مرور الأوتوستراد من أمام المدخل الشمالي للمخيم الذي يقابل المهنية العاملية في حارة حريك، وهكذا كان. و«بما أن أحلى الخيارات أمرّها» بوشرت الحفريات في المكان، مترافقةً مع اتصالات ومراسلات مع «منظمة الأونروا» رُفعت عبرها مطالب الأهالي التي من شأنها تخفيف وطأة الحوادث والأخطار اللاحقة بسكان المخيم وأطفاله.
تقول السيدة جمانة القاسم، إحدى ساكنات المخيم: «بعثنا بأكثر من رسالة الى المدير العام لـ«الأونروا» حول الموضوع، لكن لا حياة لمن تنادي... كانت السكرتيرة تجيب واعدة إيانا بردّ قريب، ولا نزال ننتظر حتى اللحظة».
توضح قاسم أن مطالب الأهالي منذ البداية كانت «رفع الأوتوستراد الى مستوى الجسرين، لاستغلال المساحة تحته، وبالتالي يمكن المشاة ولا سيما العجائز، أن يدخلوا بسهولة الى المخيم». ويطالب آخر بإنشاء جسر للمشاة: «لقد توفي نحو 20 فرداً من أبناء المخيم بحوادث على طريق المطار القريب منا».
يلخص الأهالي الذين التقيناهم مطالبهم بالآتي: العمل على إغلاق «الريغارات» الباقية فوراً، وأن تتحمل الجمعيات المعنية بحوادث السير مسؤولياتها تجاه الأخطار الناجمة من مشروع الأوتوستراد، وأن تتحمل «الأونروا» مسؤولياتها تجاه الأهالي، وأن يُرفع الأوتوستراد الى مستوى الجسرين، فضلاً عن تحمّل اللجان الشعبية داخل المخيم مسؤولياتها أيضاً تجاه ما يحصل.

التزام المعايير؟

يضع مشروع الأوتوستراد الدائري الوسطي، الذي التفّ حول المخيمالأهالي أمام أمرين: إما أن يطأوا الطريق مباشرة بعد خروجهم من منازلهم، وإما أن ينتظروا سيارة مسرعة تطيح المنزل الذي يسكنون. خوف آخر يبدّد راحة الأهالي، هو تحويل السير إلى الطريق الجديدة المحاذية للمخيم عند إغلاق الطريق الحالية لمتابعة العمل في القسم الآخر، ما يعرّض حياة 600 تلميذ وتلميذة يخرجون ويعودون يومياً من وإلى المخيم والمدارس.
يجيب متعهد المشروع زياد وردة عن هذه المخاوف بالقول إن شركته «قامت وتقوم بكل الإجراءات التي تنبّه الناس إلى وجود الحفريات للحفاظ على سلامتهم. فهي تعمل دوماً على إلصاق الأوراق والمنشورات فضلاً عن اللافتات التحذيرية»، ويحمّل الأهالي مسؤولية «عدم توعية أبنائهم وتنبيههم إلى عدم نزع تلك التحذيرات وإزالتها».
أما عن الجهة الأخرى للطريق، المحاذية للطريق الرئيسية الحالية، التي لا تزال تحوي «الريغارات» المفتوحة، فهو يشير إلى «عدم إمكانية تغطيتها لضرورات العمل اليومية»، لافتاً الى «أنها ستُغطى بعد انتهاء العمل».
وقال وردة إن الشركة تجهد منذ بداية العمل لإنهاء المشروع وفق المعايير المطلوبة بأسرع وقت ممكن نظراً إلى حساسية المكان.

«الإنماء والإعمار»

مصدر مسؤول في مجلس الإنماء والإعمار قال لـ«الأخبار» إنه منذ بدء الأعمال أُمّنت الورشة «وفقاً للمواصفات المعتمدة من قبل المجلس في مختلف مشاريعه، وجرى التنسيق والتواصل مع ممثلين عن «الأونروا» والجهات الشعبية بهدف الحفاظ على السلامة العامة للسكان،».
وأشار المصدر إلى التنسيق مع اللجان الشعبية في المخيم التي تكفّلت المناداة في المساجد داخل المخيّم لتحذير الأولاد بغية عدم دخولهم نطاق ورشة العمل. بالإضافة إلى تثبيت مختلف اللوحات الإرشادية وتعليقها للتنبيه إلى وجود أشغال حفر وردم ووجود آليات كبيرة،.
أما عن آليات التواصل والتنسيق، أكد المصدر وجود تنسيق واتصال دائم بمختلف الفعاليات من بلديات ولجان شعبية، ولا سيما بمنظمة «الأونروا» وممثليها داخل المخيم، بواسطة المهندس الاستشاري المكلف من قبل المجلس الإشراف على المشروع.
ويوضح المصدر سبب اعتماد المسار الحالي للأوتوستراد الدائري: «كنا أمام اقتراحين، أولهما أوتوستراد يمرّ بجانب المخيم وفي أراض خالية من أية أبنية، لأفضلية التقائه عمودياً مع طريق المطار، وثانيهما أوتوستراد يمرّ في وسط المخيم». وقد اختير المسار الأول مع ملاحظة إقامة جسور وأنفاق لتفادي التقاء السير على مستوى واحد.
وفي ما خص مشكلة عبور المسنين والأطفال وذوي الحاجات الخاصة الى الجهة المقابلة للمخيم، أجاب: «لا جسر للمشاة مخطط له في هذه المنطقة، بل سيُنشأ جسر للمشاة فوق طريق المطار، وإذا أراد أهالي المخيم العبور سالمين إلى الجهة الأخرى من الأوتوستراد، فعليهم التوجه عشرات الأمتار غرباً والمرور تحت الجسر الذي يُبنى حالياً».



ضحية الإهمال

لا يزال الطفل جلال قاسم (12 عاماً) أسير الجدران الأربعة لمنزل ذويه في المخيّم في انتظار تعافيه من إصابته التي سببت له نزيفاً في الرأس وكسوراً في الجمجمة كادت تودي بحياته. ففي 21 آذار الفائت تعثّر جلال بحجارة تابعة لمشروع بناء الجسر مرصوفة قرب المنزل، وإذ تفاقمت العوارض المرضية لديه مساء ذلك اليوم، قررت والدته نقله إلى المستشفى حيث تبيّن حجم إصابته وحاجته إلى عملية تستدعي البقاء في البيت لمدة ستة أشهر من أجل الراحة.
بكلمات متقطعة وصوت خافت يجيب الطفل جلال عن الأسئلة التي تُطرح عليه.
لا يخفي حنينه إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي ولا سيما هوايته المفضلة كرة القدم، إذ هو حارس مرمى فريق «الأقصى». على سريره ينتظر الرفاق ليخبروه بنتائج الفريق، وعلى الكنبة يتحادث ورفاقه حول المدرسة والدروس، وعلى شباك المنزل يقف متأملاً الأطفال الذين يلعبون في الشارع.
تدمع عينا أم جلال عندما تتذكر كلمات جلال من على سرير المستشفى، حين أهداه مدرب الفريق بدلة حارس المرمى، فغفا متأبطاً البدلة بمجرد القول: أنا أحلم باللحظة التي أستطيع فيها ارتداءها واللعب مع رفاقي.
وهذا ما يكرّر التعبير عنه حين يتمنى لو أن فترة الستة أشهر تمضي بسرعة... لكن جلال الذي تضررت عينه اليمنى نتيجة الإصابة، يأمل أن لا يتعرض أخوه الصغير أو رفاقه لما تعرّض له.



غياب الأرصفة هم يشيرون مثلاً إلى إهمال المشروع إنشاء أرصفة حادّة أو منزلقة تسهّل حركة المقعدين، وهو ما تنصّ عليه المادة 33 من القانون 220 لحقوق الأشخاص المعوقين. ويتساءلون عن قضم المشروع أرصفة المنازل التي أصبحت ضيّقة لا يتجاوز عرضها نصف متر، وعن عدم وجود جسر للمشاة.
يكتفي المصدر في مجلس الإنماء والإعمار بالقول إن «المشروع لحظ خفض الرصيف في عدد من الأمكنة لتسهيل حركة المعوقين» من دون توضيح تطابق هذا الخفض مع ما طلبه القانون. أما في ما يتعلّق بمساحة الأرصفة الضيّقة، يلفت إلى أن الرصيف المحاذي للمخيم هو الأكبر في المشروع من ناحية العرض (200 سنتم) «باستثناء تعديّات قام بها بعض سكان المخيم لبناء أدراج وأعمدة، وأيضاً المحال التجارية، ولم يتمكن المقاول من إزالتها لأسباب مختلفة»، وهو ما نفاه عدد من السكان المعنيين.