عرفات حجازي
رغم مظاهر الأزمة التي توحي بانسداد الأفق السياسي، ورغم مسلسل الرعب المثقل والمتمثل بنشر العبوات غير المعدة للانفجار في أكثر من منطقة، ورغم تبادل التهم حول الطرف المعرقل للتسوية، فإن أطراف النزاع متفقون على أمرين: الأول أن العرقلة تأتي بأمر عمليات من الخارج، سواء كان هذا الخارج دمشق، كما تقول الموالاة، أو كان واشنطن، كما تقول المعارضة. والأمر الثاني هو أن الطريق إلى التسوية لم تقفل بعد، وإمكان كسر المراوحة مرجح خلال الفسحة الزمنية الفاصلة عن موعد القمة في الرياض. ويقول المتتبعون لمسار الأزمة بأن الملك عبد الله حريص على إتمام المصالحة اللبنانية ــــــ اللبنانية قبل القمة، وفكرة دعوة الفرقاء إلى السعودية لإنجازها على غرار اتفاق مكة ما زالت واردة. وكما لعبت دمشق دوراً إيجابياً في ولادة الاتفاق الفلسطيني ــــــ الفلسطيني يمكنها أن تلعب مثل هذا الدور بعد أن تتسع رقعة الانفراج في العلاقة بينها وبين السعودية، وخصوصاً أن هناك رغبة مشتركة لدى البلدين في فتح صفحة جديدة تضع حداً لاهتزاز العلاقات بينهما وتؤسس بداية عمل عربي مشترك قادر على ترميم الانهيارات من البناء العربي المتداعي ومعالجة أزماته المشتعلة. وليس أمراً بلا دلالات بروز معطيات جديدة ومؤشرات لافتة تنبئ بحصول متغيرات ستكون لها تاثيراتها على الأوضاع في المنطقة، وخصوصاً على مستوى الوضع اللبناني. ويمكن في هذا الإطار تسجيل الوقائع والتقديرات الآتية:
أولاً: تأكيد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أن مبادرته لم تتوقف، وهو ينتظر بعض العوامل قبل أن يستأنف وساطته من جديد، لافتاً إلى أن تحركه مدعوم من السعودية ومصر وإيران وسوريا، وهو دعم كفيل بمساعدته في التغلب على ما بقي من نقاط خلاف في سلته التي طرحها للحل.
ثانياً: السرعة التي حسم بها الرئيس بشار الأسد موقفه من المشاركة في القمة، وحديثه الدائم عن العلاقة العائلية مع الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك، وهي مستمرة. وفي المعلومات أن الرئيس الأسد سيدلي قريباً بحديث متلفز عن مواقف صدرت عنه وسببت إزعاجاً وفتوراً في العلاقات، إضافة إلى الموقف الذي اتخذ من المحكمة ذات الطابع الدولي ونقله عنه الرئيس سليم الحص. وهذه المرونة والإيجابية من جانب الأسد ستساعد السعودية وإيران على إنجاح مسعاهما في تمكين اللبنانيين من الاتفاق على حل قضاياهم الخلافية بدون تأثيرات من الخارج.
ثالثاً: انتقال المسعى السعودي ــــــ الإيراني من إطار نقل الأفكار والمقترحات إلى إطار المبادرة مع الزيارة المقررة غداً للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى السعودية، حيث سيُجري مع الملك عبد الله مراجعة شاملة لكل المواقف تمهيداً لوضع الحل المطلوب للأزمة اللبنانية، وهذا ما دفع بالنائب سعد الحريري إلى التنبؤ بقرب الفرج، ولا سيما أنه في صورة المشاورات الجارية بين البلدين. ولم تستبعد مصادر مقربة من تيار «المستقبل» أن يلتقي الحريري بالرئيس نبيه بري، سواء في السعودية أو في بيروت، للبحث في كيفية إخراج صيغة الاتفاق الذي باتت عناوينه وحتى مضمونه معروفة لدى الجميع.
رابعاً: المشاركة الأميركية في مؤتمر بغداد بحضور إيران وسوريا ليست تفصيلاً بسيطاً في مسار العلاقة الأميركية المأزومة مع هذا المحور المتهم برعاية الإرهاب، بل هو تطور مهم وإيذان باستدارة أميركية جديدة تقرب من مضمون التسويات الإقليمية التي نصحت بها مجموعة بيكر ــــــ هاملتون، وهذا ما يشير في نظر المراقبين إلى موقف تراجعي لمجرد قبول واشنطن بالجلوس إلى طاولة التفاوض والنقاش مع طهران ودمشق بعد أن كانت ترفض هذا الأمر بإصرار. ولن يخفف من وقع قرارها القول إنها لن تجري محادثات معهما، وإن الهدف من المؤتمر محصور بأمن العراق والمصالحة السياسية فيه. لكن المؤكد أن الولايات المتحدة تريد الخروج من وحول العراق بما يحفظ لها ماء الوجه، ولو اضطرت إلى الاعتراف بدور كل من إيران وسوريا واعتبارهما جزءاً من الحل لا من المشكلة، ليس في أزمة العراق فحسب، بل ينسحب ذلك على مشكلات المنطقة المترابطة بعضها ببعض.
يمكن الاستخلاص من رصد ما تقدم من تطورات والتدقيق بها وربطها بعضها ببعض أن المنطقة مقبلة على تحولات مثيرة قد تفتح باب التسويات للأزمات التي تفاقمت بفعل التصدع الذي أصاب العمل العربي المشترك، وبانتظار الوصول إلى هذه المرحلة، فإن القوى السياسية المتصارعة في لبنان ممتثلة حالياً رغم ارتفاع النبرة السياسية الحادة إلى مناخ التريث، ومقتنعة بأن التسوية ستكون خاتمة للصراعات السياسية بعيداً عن معادلة الكسر والغلبة التي ستعيد ترتيب البيت اللبناني من الداخل على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.