أنطوان سعد
إزاء استمرار انسداد الأفق أمام حل للأزمة السياسية الراهنة، وفي ظل تعثر الاتصالات الإقليمية المترافق مع التصعيد الكلامي من جانب المعارضة والموالاة على السواء، بين تلويح بالعصيان المدني وطلب المساعدة الأميركية، يتركز الاهتمام في الأوساط المراقبة على الخيارات السلمية والهادئة المتاحة أمام اللبنانيين لإيجاد المخرج المطلوب. وتتساءل أوساط مراقبة محايدة عما يمنع اللبنانيين من ابتكار حل يخرجهم من مأزقهم ويوفر عليهم دفع ثمن الخلافات السورية ــ السعودية الدائرة.
وترى هذه الأوساط أن ثمة فكرتين مطروحتين يجري التداول بهما في بعض المجالس الخاصة: الأولى أن يقوم الوزراء المحايدون في الحكومة بمسعى توفيقي بين الموالاة والمعارضة من أجل التوصل إلى تعديل نظام المحكمة ذات الطابع الدولي بما يطمئن هواجس بعض قوى المعارضة القريبة من سوريا، تمهيداً لإقراره. وقد علّقت أوساط قريبة من وزير العدل شارل رزق بأن الفكرة جيدة، متسائلةً: «هل من أمل لهذه المبادرة في هذه الأيام؟». ووعدت هذه الأوساط بدرسها وبالتعليق عليها قريباً.
أما الفكرة الثانية فقد لفتت إليها أوساط قريبة من النائبة بهية الحريري في مجلس خاص قبل أيام. وهي تقوم على الدعوة إلى مؤتمر مسيحي عام برعاية البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير لبحث مسألة التمثيل المسيحي في الحكومة العتيدة ومن ثم الاستحقاق الرئاسي المقبل من أجل الخروج بموقف واحد يفرض على طرفي النزاع حلاً وسطاً يلزمهما بالسير به. إذ تعتقد هذه الأوساط أنه في ظل مناخ عدم الثقة المتبادل السائد بين السنّة والشيعة الذي يعوق الاتفاق على ملفي المحكمة ذات الطابع الدولي وتأليف حكومة اتحاد وطني، وفي ظل غياب المرجعية التي يتفق الطرفان على الاحتكام إليها، يمكن القوى المسيحية إذا وحّدت موقفها في هذا الظرف الاستثنائي على الأقل، من مسألتي المحكمة والحكومة، أن تفرض الحل الوسط المطلوب، باعتبار أن الخلاف الأساسي في مسألة توسيع الحكومة الحالية أو تأليف وزارة جديدة هو على من يسمي الوزراء المسيحيين لأنه لا مشكلة مطروحة حول صحة تمثيل الوزراء السنة أو الشيعة الذين وصلوا إلى مواقعهم، كما رئيسا مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء فؤاد السنيورة بشبه إجماع المجموعتين الطائفيتين اللتين يمثلان. فإذا تمكن هذا المؤتمر من التوصل إلى تسمية الوزراء المسيحيين ونجح في التوافق على اسم مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، تنتهي المشكلة أو على الأقل جزء كبير منها.
وإذّاك تتغير المعادلة السياسية في شكل جذري ولا تعود الساحة السياسية متروكة فقط للتيارين السياسيين المتنازعين، ولا يبقى في إمكان أي منهما أن يذهب في الاتجاه الذي يروقه، إن لناحية تحقيق مصالحه وفرض رأيه وإن لناحية الإضرار بمصالح الفريق الآخر من دون الأخذ بالاعتبار موقف الفريق المسيحي كما هو حاصل منذ عام 1990. وتلفت أوساط مراقبة إلى أن استمرار الوضع السياسي المسيحي المشرذم على ما هو عليه سيؤدي حكماً إلى إبقاء حال فقدان الوزن المسيحي في المعادلة اللبنانية، لا بل قد يعزز من فرص أن تأتي التسوية على حساب المسيحيين إذا قرر الطرفان المتنازعان حل المشكلة بينهما من دون أن يخسر أحد منهما من رصيده ومكتسباته التي حققها في الأعوام التي ضُربت فيه القوى السياسية المسيحية.
طبعاً، إبداء الرأي في مجال تحقيق تفاهم مسيحي عام والرغبة في تحقيقه على رغم كونه مطلباً لبنانياً جامعاً وحاجة للوضع اللبناني ككل، في زمن سيطرة القطب الأحادي في كل طائفة، لا يعني أن ثمة إمكانية عملية متاحة حالياً لتنفيذه. والأسباب التي تحول دونه قديمة ــ جديدة ومتعلقة في شكل خاص بالقيادات السياسية الفاعلة في الوسط المسيحي. وسيد بكركي الذي يعي خطورة هذا الوضع أعطى، للمرة الأولى منذ انتخابه عام 1986، في الآونة الأخيرة أكثر من إشارة إيجابية بعيداً من الأضواء لإطلاق ديناميكيات سياسية مسيحية جديدة على رغم موقفه المبدئي الرافض لتأليف حركات سياسية وأحزاب من لون طائفي واحد. فهو لا يزال يدعو إلى تجديد تجربتي الكتلتين الوطنية والدستورية المكوّنتين من كل الطوائف من أجل تجاوز الانقسامات الطائفية الخطيرة على التركيبة اللبنانية والعيش المشترك في لبنان، لكن الجديد أنه صار يبدي عدم ممانعة أمام قيام مجموعات سياسية جديدة مسيحية لأن المجموعات القائمة بمعظمها ملتحقة بمحوري النزاع القائم ولا تبدو قادرة على تأدية دور إيجابي يساهم في حل المشكلة.