دمشق - نقولا ناصيف
لا تعلّق دمشق أهمية كبيرة على انعقاد مؤتمر دول جوار العراق في بغداد يوم 10 آذار، الذي يشارك فيه وجهاً لوجه الى طاولة واحدة ممثلون للولايات المتحدة الأميركية وسوريا وإيران. لا تحمّله أكثر مما يحمل، ولا تعبّر عن تفاؤلها بنتائجه. تدرك أيضاً أن فشله قد يكون أسوأ من عدم انعقاده ما لم تقتنع واشنطن بوجود جانب آخر من الحل لا تريد أن تقتنع به.
تلك انطباعات أولى لوزير الخارجية السوري وليد المعلم. في اعتقاده بأن دمشق ترى في أولى خطوات حوار أميركي ـ سوري وأميركي ـ إيراني بداية تطبيق إحدى التوصيات الـ75 التي خلص اليها جيمس بيكر ولي هاملتون في إطار مجموعة الدراسات للعراق، عندما حضا الإدارة الأميركية على محاورة مشروطة لكل من سوريا وإيران، سعياً الى تحقيق الاستقرار في العراق، الأمر الذي تجاهلته إدارة الرئيس جورج بوش حتى هذا الوقت. ورغم تأكيده أن حكومته لم توافق على كل توصيات بيكر ـ هاملتون، فقد وجدت في بعضها إيجابيات وأبرزها العودة الى قلب المشكلة التي هي ضرورة إجراء حوار بين واشنطن ودمشق «على أن يكون شاملاً الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والعراق، وسبل مكافحة الإرهاب الدولي من جذوره وليس بالقوة. وأن يشمل أيضاً تحقيق شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل». لكن حواراً كهذا ترى دمشق أن يكون بلا شروط مسبقة انسجاماً مع آدابه ما دام بديلاً من استخدام القوة.
ومع أنها رافقت المراحل التمهيدية لفكرة عقد مؤتمر لدول جوار العراق مذ ناقشها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري مع المعلم عندما زار الأخير بغداد في 19 تشرين الثاني 2006، طالباً من نظيره تأييد تصوّره لعقد مؤتمر لدول جوار العراق في بغداد، فقد لاحظت دمشق أن الخطة ذهبت في منحى آخر. في ضوء ما سمعه من زيباري، وقد أثار المعلم الفكرة أثناء زيارته طهران في 22 كانون الثاني 2007 مع نظيره الإيراني منوشهر متكي الذي رحّب بها. بعد ذلك، أجرى الوزير السوري اتصالاً بزيباري لإطلاعه على الترحيب الايراني، على أن يقتصر الاجتماع على وزراء خارجية دول الجوار. في حصيلة مشاورات أجرتها الدبلوماسية العراقية مع وزراء خارجية الدول المجاورة لمست رغبتهم في أن يتمثل هؤلاء بمعاوني وزراء الخارجية. تبلغت دمشق الأمر، ووجدت في الاجتماع إشارة ذات دلالة لوضع خطة تعيد الاستقرار إلى هذا البلد بعد إخفاق واشنطن في السيطرة على الفوضى التي تعمّه، والناشئة، في رأي الدبلوماسية السورية، من احتلال الجيش الأميركي للعراق أساساً.
كذلك سمع المعلم إبّان زيارته إسبانيا يوم 22 شباط الجاري من وزير خارجيتها ميغل أنخل موراتينوس فكرة مشابهة: توسيع المشاركة في المؤتمر بما يتعدى دول الجوار التي هي دول الحدود، أي السعودية وسوريا وإيران، بحيث تنضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بغية إضفاء طابع دولي على مؤتمر إقليمي يوسّع هامش التأثير في ضبط الفوضى الداخلية. بعد عودته إلى دمشق أخذ المعلم موافقة الرئيس بشار الأسد على مشاركة سوريا في مؤتمر يمثلها فيه معاون وزير الخارجية السفير فيصل المقداد. وأبلغ ذلك الى نظيره العراقي، من دون أن يكون على علم باتصالات موزاية أجرتها بغداد بالولايات المتحدة ودول أخرى سعياً للحصول على مشاركتها في المؤتمر. كانت سوريا قد تبلغت أن العراق وجّه الى الدول الخمس الدعوة فوافقت. وهكذا انتهت بتقويمها انعقاد المؤتمر باعتباره «نصف خطوة في الاتجاه الصحيح» بحسب المعلم.
ومع أن دمشق تبلغت على نحو غير مباشر موقفاً أميركياً يريد حصر الحوار بالعراق، في إشارة الى إصرار واشنطن على إبقاء الأبواب موصدة تماماً بينها وبين القيادة السورية، في ظل انقطاع الحوار الدبلوماسي بين البلدين منذ استدعاء السفيرة في دمشق مرغريت سكوبي غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، فإن المعلم يلاحظ افتقار هذه الحجة الى أسباب تدعمها في ملف شائك لا يمثّل حالاً في ذاتها، بل هو، يقول الوزير السوري، جزء من «المشكلات المترابطة للمنطقة، التي ليس في الإمكان عزل إحداها عن الأخرى إذا كان المطلوب التوصل الى شرق أوسط مستقر وآمن. وتالياً يقتضي معالجة جذور المشكلات القائمة، وإلا نكون كمن يرقّع ثوباً بالياً».
واذ يعبّر عن مجاراة حكومته لما تريده واشنطن، وهو عدم الخوض في ملفات على هامش هذا المؤتمر، يرى أن عليها ان تصغي بتمعّن الى ما ستقوله سوريا التي تعرف أيضاً أن ما ستقوله ربّما يتناقض مع ما قد يدلي به مشاركون آخرون في المؤتمر من غير الاميركيين. وفي خضم جهود مبذولة لإعادة تطبيع العلاقات السورية ـ السعودية، يأمل المعلم «الا يتناقض الموقف السعودي مع الموقف السوري في سبيل عراق آمن وموحد ومستقر ومستقل».
ويقول: «كم اميركياً يجب ان يموت في العراق حتى تصل واشنطن الى اقتناع بالحوار معنا؟ وكم عراقياً يجب ان يموت كي تصل الى الاقتناع نفسه؟ وكم منزلاً ومسجداً وكنيسة يجب ان تدمر من أجل الوصول الى هذا الاقتناع؟».
واذ يُسأل هل ان رفض واشنطن الحوار مع دمشق هو الذي يؤدي الى ذلك، يجيب رئيس الدبلوماسية السورية: «على الاقل، الحوار مع سوريا يسهم في تخفيف ذلك».
يضيف: «مع ذلك قلنا اننا سنشارك، وسنكون منفتحين، وسنعلن في بغداد موقفنا الواضح والصريح بأن استخدام القوة لن يحل مشكلة العراق من دون رؤية سياسية متكاملة للحل. الحل سياسي، وينبغي أن ينبع من العراقيين أنفسهم، ثم يأتي دور دول الجوار لدعم هذا الحل، وبعد ذلك دور المجتمع الدولي بغية تحصينه».
وهو بذلك يرسم ما يعتبره اطاراً تؤيده دمشق لعناصر الحل: «الاساس هو القيادة العراقية. عندما يتحدثون عن مؤتمر للمصالحة الوطنية، لا يمكن القفز اليه كشعار، بل يجب التمهيد له بان تجتمع القيادة السياسية للعراق وتقرر السبيل الى عراق موحد ومستقل وآمن. يفترض الامر الغاء قوانين بول بريمر المتعلقة باجتثاث حزب البعث وحل الجيش العراقي، كذلك اعادة النظر في الدستور العراقي بما يطمئن المواطن الى وحدة بلده، وحل مشكلة كركوك فتكون مدينة للتعايش بين مجموع مكونات الشعب العراقي، واستعادة الفئات التي عُزلت من العمل السياسي. عندما نصل الى قرارات كهذه يصبح الطريق مفتوحاً لمصالحة وطنية تقود العراق الى برّ الامان. هكذا نحن نرى الحل».
وهل انعقاد المؤتمر فكرة أميركية تتجاوز مجرد موافقة واشنطن على الحضور والمشاركة في أعماله؟ يقول المعلم ان واقع العراق «يبيّن أن لدول الجوار تأثيراً على ما يجري فيه، وهذا ما لا تنكره واشنطن، وقد ثبت أنها لا تستطيع بمفردها أن تجد تسوية للوضع المعقد فيه، وانه لا بد من التعامل بموضوعية وإيجابية مع دول الجوار والمجتمع الدولي للمساعدة في إيجاد حل سياسي».
إلا أن المعلم الذي لا يميز واقع المشكلة اللبنانية عن المحور الذي تتخبّط فيه المشكلة العراقية شأن ما يحصل في الشرق الأوسط المضطرب، يلاحظ أن ثمة حاجة إلى إيجاد تسوية لبنانية ــــــ لبنانية قبل مؤتمر بغداد وقبل القمة العربية أيضاً و«نحن سندعم ما يتوافق عليه اللبنانيون سواء في تأليف حكومة وحدة وطنية أو في المحكمة ذات الطابع الدولي أو في وضع قانون جديد للانتخاب بغية ألّا تصطدم القمة العربية بعقبات تعرقل نجاح أعمالها». وهو بذلك يوافق ضمناً وجهة النظر الأميركية القائلة بأن لبنان لن يكون في مداولات على هامش لقاءات جانبية سيعقدها المشاركون في مؤتمر بغداد. إذ تبدو الأولوية في نظر دمشق للعراق. إلا أن وزير الخارجية السوري يعكس تفاؤلاً بتطور سوري ــــــ سعودي قد لا يرافق بحرارة مؤتمر بغداد. إلاّ أنه سيكون كذلك قبل الوصول إلى القمة العربية في الرياض في 28 آذار.
كيف تنظر دمشق إذاً إلى المرحلة الفاصلة بين مؤتمر بغداد والقمة العربية؟ وأين تقع المصالحة السورية ــــــ السعودية بين هذين الحدثين؟