strong>بعلبك ـ علي يزبك
يعد سجن بعلبك من أفضل السجون في لبنان من ناحية الوضع الإنساني لنزلائه، حتى إن السجناء في البقاع يعدّون أنفسهم مرفهين فيه، ويفضلون قضاء محكوميتهم خلف قضبانه. لكن إيجابياته يقابلها نقص في برامج الإصلاح التي قد تؤدي إلى مساعدة السجناء على متابعة حياتهم بعد السجن بشكل طبيعي بعيداً عن مخالفة القوانين وارتكاب الجرائم

يختلف «سجن بعلبك» عن غيره من السجون في لبنان عموماً، والبقاع خصوصاً، كون الكثير من السجناء يرغبون في قضاء فترة العقوبة داخله، نظرا لـ«الرفاهية» المتوافرة فيه، كما يقول أحد السجناء السابقين، بعدما أنهى داخله «عقوبة» امتدت ثلاث سنوات لإدانته بالسرقة. ويقول المفرج عنه «م. ف» إن «كل شيء مؤمّن داخل سجن بعلبك». فمياه الاستحمام متوافرة، وكذلك حال مياه الشرب، كما أن نظافة السجن محافظ عليها. يضيف: «كنا نرى الشمس كل يوم عند الظهر، ويمكننا في كل يوم أحد أن نُجري مخابرة هاتفية ونطلب الرقم الذي نريد. كما كنا تنمكن من الحصول على الطعام الطازج من أهلنا، لان العائلة لا تترك ابنها السجين وتؤمن له كل متطلباته. هذه عادات أهالي المنطقة».
المظهر الخارجي للسجن لا يعكس حقيقة وضعه الداخلي. فهو بناء قديم ملحق بسرايا بعلبك الحكومية، ومضى على إنشائه حوالى مئة عام، وسقف مدخله وباحته الرئيسية من ألواح الزنك التي تسمح بتسرب مياه الأمطار إليه. إلا أن سجن بعلبك يتسم بالهدوء وذلك لأن غالبية نزلائه يتم اختيارهم من ذوي الأحكام المتوسطة، ويُنقلون إليه لقضاء آخر سنتين من مدة الحكم.
ويُعد سجن بعلبك من السجون الصغيرة في لبنان، فهو يضم نحو ثمانين سجيناً بصورة شبه دائمة، يعيشون في أربع غرف، اثنتان صغيرتان، واثنتان كبيرتان، إضافة الى باحة وعدد من الغرف لعناصر من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، التي تتولى مفرزة السجون فيها إدارة السجن وحراسته. ويخضع السجن لإجراءات أمنية استثنائية، وخصوصاً أنه شهد الصيف الماضي، خلال العدوان الإسرائيلي، فرار أربعة من السجناء استغلوا فترة قيام الطائرات الاسرائيلية بالإغارة على منطقة قريبة جداً من السجن. وقد أُلقي القبض على اثنين من الفارين فيما البحث ما زال جارياً عن الآخرين.
ويؤكد السجين السابق أن الخلافات التي تقع بين السجناء تحل بسرعة وإذا تفاقم الأمر يتدخل آمر السجن وتُتخذ عقوبة بحق المعتدي.
أما الوضع الصحي، فيقول إنه «مقبول لوجود إشراف صحي على السجناء الذين يخضعون لمعاينة الطبيب حسب الحاجة».
وعن تجربته في السجن وماذا اكتسب خلالها يؤكد «م. ف» أنه لم يكتسب أي شيء، «فليس في السجن أي نشاط تأهيلي أو تدريبي أو تعلّم أي حرفة وليس هناك أي نشاطات ما خلا زيارات يقوم بها بعض المرشدين الدينيين في مناسبات محددة، فيما يقوم بعض السجناء ببعض الأشغال اليدوية وبمبادرات فردية».
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن استخدام كلمة «عقوبة»، غالباً، للتعبير عن الفترة التي يقضيها أي محكوم في السجن، لا تنفي أن الإصلاح وإعادة التأهيل يبقيان من أهم أهداف الحكم بالحبس، إلا في حال وجود قناعة تامة لدى القيمين على نظام العدالة بأن دوافع الجريمة هي دائماً ذاتية، ولا علاقة للظروف، العائلية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، بدفع المواطن نحو مخالفة القانون، وارتكاب جريمة ما. وفي حال اعتبار السجن مركزاً للإصلاح وإعادة التأهيل، أليس من الضروري توافر مستلزمات الإصلاح الاولية؟ فهل من المناسب أن يخرج المحكوم أو الموقوف من سجنه دون أن يكون قد ملأ فراغ وقته القاتل إلا بفراغ أكبر؟ وبالرغم من أن وضع سجن بعلبك يعدّ إنسانياً، نسبة إلى أكثر باقي السجون اللبنانية، وهو ما يمكن اعتباره خطوة متقدمة على طريق الوصول إلى تحويل السجون لمؤسسات للاصلاح وإعادة التأهيل، بدلاً من كونها مكاناً للمعاقبة فقط، فإن ذلك لا ينفي ضرورة وجود برامج تأهيلية حقيقية تبدأ بالعلاج النفسي والعلاج من الإدمان على المخدرات وصولاً إلى التدريب. فلا يمكن نفي حصرية صفة «المعاقبة» عن السجن، ما دام المحكوم يخرج منه دون مهنة اكتسبها تؤهله لإيجاد عمل بعد انقضاء فترة حكمه، تمهيداً لمعاودة حياة طبيعية بعيدة عن مخالفة القوانين، وخصوصاً أنه من المرجح أن الدوافع المادية تقف خلف ارتكاب الكثير من الجرائم.