دمشق - نقولا ناصيف
في اعتقاد مسؤول سوري بارز أن استعادة الحرارة الى العلاقات السورية ــــــ السعودية بدأت أولى خطواتها في دمشق، وتستكمل في الرياض. وعندما يهبط الرئيس بشار الأسد من طائرته في مطار الرياض سيكون العاهل السعودي الملك عبد الله في استقباله. يتعانقان. وفي دقيقة ونصف دقيقة تكون سحابة الصيف بين البلدين قد انحسرت. إلا أنه يتحدث عن مؤشرات أفضت الى هذا الاستنتاج:
أولها، حرص الملك عبد الله على أن تكون الدعوة الأولى التي يوجهها الى زعيم عربي إلى حضور القمة في الرياض في 28 آذار و29 منه، هي للرئيس السوري الذي قدّر بدوره المبادرة ومغزاها الإيجابي. يعبّر ذلك عن الأهمية التي يوليها الملك للعلاقة مع دمشق. وخلافاً لما درج في قمم عربية سابقة حيث كان يتولى نقل الدعوة الى المشاركة فيها سفير الدولة المعتمد في البلد المعني أو وزير الخارجية، ناط الملك توجيه الدعوة بوزير كموفد ملكي.
ثانيها، أن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء السعودي عبد الله الزينل الذي حمل الدعوة الى الأسد في 26 شباط نقل، بحسب المسؤول السوري البارز، «كلاماً طيّباً، فأسمعناه كلاماً طيّباً»، في إشارة الى فحوى حوار تبادله الأسد مع الوزير السعودي، وعكس رغبة متبادلة في طي صفحة الأزمة التي اتخذت منذ منتصف آب الفائت بعداً شخصياً. واستناداً الى ما ذكره الموفد الملكي أمام مسؤولين سوريين التقاهم بعد مقابلته الأسد، فقد سجّل انطباعات إيجابية، وخصوصاً أن الأسد أبلغه أن علاقته بالملك عبد الله تقع في منزلة علاقته بوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد، مكرراً الموقف الذي سمعه من زائره ومتبنياً إياه، وهو أن العلاقات التاريخية بين البلدين واستمرارها وتعاونهما عزّزت استقرار المنطقة.
ثالثها، توجيه الزينل دعوة مماثلة الى الرئيس اللبناني إميل لحود في 27 شباط، في إشارة أخرى الى مراعاة موقف دمشق في النزاع اللبناني الناشب بين الموالاة والمعارضة. إلا أن للأمر جانباً آخر، بحسب المسؤول السوري البارز، هو رغبة السعودية في إنجاح قمة الرياض وتفادي المشكلة التي نشأت في آذار 2006 عندما انقسم الموقف اللبناني بين وفدين أحدهما برئاسة لحود والآخر برئاسة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بعد تلقيهما من الخرطوم دعوتين منفصلتين إلى المشاركة في أعمال القمة العربية هناك، وانفجر الخلاف بين الرجلين في قاعة المؤتمر على موضوع المقاومة. فكان أن تجاهلت الرياض دعوة السنيورة الى القمة المقبلة، مكرّسة بذلك الشرعية الدستورية للحود كرئيس للبنان.
رابعها، مسارعة الأسد الى تأكيد مشاركته الشخصية في القمة ورغبته في إنجاح أعمالها. وفي ذلك تأكيد تقليد سوري تاريخي هو عدم مقاطعة دمشق أي قمة عربية منذ أولاها في القاهرة في كانون الثاني 1964، ما خلا قمة عمان في تشرين الثاني 1987 إبان الحرب العراقية ــــــ الإيرانية التي وقف فيها الأسد الى جانب طهران، خلافاً لبقية الدول العربية، وقاطع تلك القمة بعدما شعر بوجود جهود كانت تبذلها دول عربية للعمل على «طرد» سوريا منها احتجاجاً على موقفها. يومذاك، على أبواب تلك القمة، قال الأسد لوزير خارجية الكويت (أميرها حالياً) الشيخ صباح الأحمد الصباح، إن الخطر على دول الخليج، وعلى الكويت خصوصاً، هو من العراق لا من إيران، وأن على الوزير الكويتي أن يتوقع يوماً حدوث ما يجعله يتيقن من تلك الحقيقة، لأن سوريا، أكثر من سواها، تعرف الرئيس العراقي صدام حسين وقد خبرته. يومذاك استشهد الرئيس السوري الراحل بواقعة أن الحرب العراقية ــــــ الإيرانية اندلعت في ظلّ علاقات دبلوماسية بين هذين البلدين واستمرت تحت رحى هذه الحرب، فيما العلاقات الدبلوماسية العراقية ــــــ السورية كانت مقطوعة آنذاك قبل ثماني سنوات.
لكن تراجع الدوافع الشخصية للخلاف السوري ــــــ السعودي لا يشير بالضرورة الى أن الطريق معبد أمام تفاهم مؤكد على حروب المنطقة، وخصوصاً في العراق ولبنان. ولكل من دمشق والرياض تأثير متباين في ملفاتهما. تحمل هذه الملاحظة المسؤول السوري البارز على إيراد الآتي:
1 ــــــ عندما زار الرئيس السوري طهران في 27 شباط الفائت، سمع من المسؤولين الإيرانيين تشديدهم على نظرائهم السعوديين والمصريين على «التعامل بعقلانية» مع أحداث المنطقة ومع سوريا. وفي ضوء معلومات اطلعت عليها دمشق، فإن القاهرة بدت منزعجة من «خطف» سوريا الملف الفلسطيني عندما رعت اجتماعات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وتوصلهما الى اتفاق مكة. كذلك عبّرت واشنطن عن انزعاج مماثل لرعاية المملكة المصالحة الفلسطينية من دون تنسيق معها، وخصوصاً أن اتفاق مكة يقود الى حكومة وحدة وطنية فلسطينية، من غير أن يسبق ذلك اعتراف «حماس» بإسرائيل. وتالياً تقارب دمشق الملفات الساخنة انطلاقاً من اعتقاد مفاده أن طرفاً واحداً في المنطقة ليس في وسعه وحده حل مشكلتها. يصحّ ذلك على العراق ولبنان وفلسطين. ويأتي اجتماع بغداد لدول جوار العراق في 10 آذار ليقدّم دليلاً إضافياً.
2 ــــــ لا يرى المسؤول السوري البارز مبرراً لاجتماع يعقده العاهل السعودي والرئيس السوري قبل الموعد المقرر للقمة العربية، في ظل الجهود المبذولة لايجاد تسوية سياسية لبنانية بين قوى 14 آذار والمعارضة. لكنه يلاحظ أن التوصل اليها باكراً يزيل عقبات من طريق نجاح القمة العربية بسحب أحد بنودها المضطربة، وخصوصاً أن العراق يستحوذ على الاهتمام الأول. وهو بذلك لا يحجب الأسباب السياسية في الأزمة الأخيرة بين دمشق والرياض التي يدرجها في سياق الموقف الذي اتخذته الرياض من حزب الله ابان حرب تموز. ويعزو المسؤول السوري البارز الأسباب الى:
ـــــ نعت المملكة حزب الله بأنه حزب إيراني أكثر منه لبنانياً، الأمر الذي أغضب دمشق التي تميّز بين شيعة لبنان وشيعة إيران، مثلما تميّز بين شيعة العراق وشيعة إيران. كذلك الأمر بتمييزها بين سنّة لبنان وسنّة السعودية، وسنّة السعودية وسنّة العراق. وترى أن من الظلم التعامل مع الحزب على نحو كهذا، وإن كان يتسلّح من إيران ويتلقى منها مساعدات، ولكن لمقاتلة إسرائيل.
ـــــ بعض تصرّفات الرياض أثناء تلك الحرب عندما منعت طائرات إيرانية من العبور في أجوائها لإيصال مساعدات غذائية وطبية واجتماعية لحزب الله تهبط في دمشق وتنقل براً الى لبنان. وعندما طلبت من تركيا منع تحليقها فوق أراضيها. وتسلحت المملكة بحجة أن الطائرات تحمل أسلحة وأعتدة الى حزب الله. وفي الإطار نفسه تنظر دمشق الى تفاهم مسبق بين حكومة السنيورة والرياض على هذا السبب، مع أن مساعدات عربية ودولية سُمح بوصولها الى لبنان من كل صوب. أشعر ذلك دمشق أيضاً، يقول المسؤول السوري البارز، بأنها هي الأخرى مستهدفة في حرب تموز بمحاصرتها بين الأميركيين على حدودها الشرقية مع العراق، وبمحاولة تصفية حزب الله ووضعها في مواجهة سلطة لبنانية معادية على حدودها الغربية.