غسان سعود
كُشف النقاب أمس عن مشروع قرار أميركي قدمه أربعة نواب جمهوريين وديمقراطيين إلى مجلس الشيوخ، يدعو إلى المساواة بين اللاجئين الفلسطينيين واللاجئين من اليهود بسبب الحروب العربية ــــــ الاسرائيلية. والهدف الضمني من المشروع، برأي الخبراء، تمرير مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان.
ويأتي الكشف عن المشروع بالتزامن مع تأكيد وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، في مقابلة مع صحيفة «الأيام» الفلسطينية، نشرت امس، عدم قدرة إسرائيل على قبول المبادرة العربية «بصيغتها الحالية». ولفتت إلى أن المشكلة الرئيسية ترتبط بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من أراضيهم. و تطلب المبادرة العربية أن تحل قضيتهم بموجب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا ما ترفضه إسرائيل. واكدت ليفني رفض عودة هؤلاء.
ويأتي تصريح وزيرة الخارجية الاسرائيلية التي تذمرت من بعض المتشددين العرب، ليعزز شكوك فريق عمل رئيس الجمهورية إميل لحود حول موضوع التوطين. وتقول مصادر الرئاسة الأولى إن معظم المسؤولين العرب الذين التقوا في القمة العربية عام 2002 كانوا يريدون تمرير المبادرة من دون ذكر اللاجئين الفلسطينيين، لكن الرئيس لحود اشترط ورود هذا البند، وتسبب يومها ببلبلة أخرت الجلسة الختامية أربع ساعات، لكنه أصر على موقفه حتى خرج البيان الختامي بما يطمئن اللبنانيين ويحفظ حق الفلسطينيين كاملاً. لكن، وبحسب المصادر نفسها، فإن كلام ليفني كشف اللعبة التي كان بين المجتمعين في القمة، مشاركون فيها.
وتضيف المصادر هذه الحادثة إلى أخرى حصلت خلال القمة الفرنكفونية التي عُقدت في كندا عام 1999. ويومها، أعلن الرئيس لحود رفض التوطين، وتصدّي اللبنانيين له بعناد، لكنه فوجئ بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، يتوجه نحوه بعد انتهاء كلمته ويسأله عن سبب إثارة موضوع اللاجئين. فأجابه لحود بأن لديه 400 ألف فلسطيني بأقل تقدير، ولبنان لا يستطيع احتمال وجودهم ديموغرافياً واقتصادياً. وبعد بضع دقائق، قصده رئيس وزراء كندا ليسأله أيضاً عن سبب إثارة هذا الموضوع. ولاحقاً، عام 2000، بعد الانسحاب الاسرائيلي، كرر رئيس الوزراء الاسرائيلي رفض البحث مع اللبنانيين (بطريقة غير مباشرة) في موضوع الفلسطينيين.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تقول مصادر بعبدا إن مشكلة الأميركيين الرئيسية مع الرئيس لحود اسمها «التوطين»، وهي «القطبة المخفيّة» للحملة عليه، وحذرت من مغامرات قد يقدم عليها الرئيس المقبل إذا كان ممسوكاً من الخارج.
في موازاة ذلك، يجزم عضو «تكتل التغيير والاصلاح» نعمة الله أبي نصر، بأن التوطين يتطلب قراراً محلياً يتخذ في بيروت لا في الولايات المتحدة أو أية دولة أخرى. وسبق للبنانيين أن أثبتوا هذا الأمر. مشيراً الى أن الجامعة العربية اتخذت قراراً واضحاً برفض توطين الفلسطينيين خارج موطنهم، وخصوصاً في لبنان. ولفت ابي نصر إلى وجود توازنات فائقة الدقة في لبنان، لا يجوز تجاوزها، مسيحية ــــــ إسلامية، وإسلامية ــــــ إسلامية، موضحاً أنه من المطالبين بفصل الدين عن الدولة. ويتفهم عدم موافقة بعض الطوائف الاسلامية على هذا الطرح. لكن لا يجوز أن يُمنع فصل الدين عن الدولة، وتنتهك التوازات الديموغرافية أيضاً. ويقول يكفي اللبنانيين خلل قانون التجنيس الذي تلاعب بديموغرافية البلد من خلال تجنيس 160 ألف سني، 20000 شيعي، و2500 ماروني. ويرى ابي نصر أن موقف رئيس الجمهورية من التوطين ينسجم مع مواقف قيادات الطوائف المسيحية والشيعية خصوصاً.
وعن امكان تمرير التوطين، بعد انتهاء ولاية لحود ووصول رئيس للجمهورية موال للغالبية النيابية، يشرح أبي نصر أن التوطين يعني منح الجنسية، وهذا يتطلب قانوناً من مجلس النواب، حيث سيرفع ممثلو الأمة أياديهم على مرأى من شعبهم.
في المقابل ،يؤكد نائب في كتلة «القوات اللبنانية» أن التوطين غير موجود عملياً إلا في رأس رئيس الجمهورية، الذي يلوح برفضه أملاً بالتفاتة المجتمع الدولي إليه. ويقول النائب القواتي إن زمن المقايضات مع الولايات المتحدة قد ولّى، ولو أتيح اليوم للرئيس لحود أن يصالح السوريين والأميركيين عبر توطين الفلسطينيين، فسيكون أول موقعيه، وأشد المدافعين عنه، بحجة احتضان الفلسطينيين، ودعم صمودهم.
وبين هذا وذاك، يُسجل للرئيس لحود أنه ومنذ تبوئه الرئاسة الأولى، لم يترك مناسبة مهمة إلا أكد رفض التوطين. ويُسجل للمعارضة حقها في الشك مع توفر اشاعات كثيرة تتحدث عن مقايضة توطين الفلسطينيين بمحو الدين العام على لبنان. ويُسجل على السلطة عدم دفعها مجلس الأمن الدولي باتجاه قرار يمنع توطين الفلسطينيين في لبنان، رغم القرارات الكثيرة التي اصدرها المجلس استجابة لرغبة الأكثرية النيابية وحكومتها.