نقولا ناصيف
يضفي مسؤولون سوريون كبار على أحاديثهم أمام زوارهم انطباعات إيجابية وباردة في الوقت نفسه. يعزون الإيجابية إلى ترقّبهم تحولات، وإن بطيئة، في المنطقة، والبرودة إلى أنهم كسبوا رهانهم على الوقت. ويدعمون انطباعاتهم هذه بسلسلة ملاحظات منها:
1 ـ أنهم لا ينتظرون الكثير من اجتماع دول جوار العراق في بغداد يوم 10 آذار الجاري، اعتقاداً منهم بأن تشجيع واشنطن له هو للجم ضغوط الرأي العام الأميركي والكونغرس على إدارة الرئيس جورج بوش حيال استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق. ومع أن مسؤولين سوريين يقولون إنهم كانوا يتوقعون الدعوة إلى اجتماع بغداد بعد ستة أشهر، فإن استنتاجهم لمغزاها أن بوش قرّر ضمناً المضي في تبنّي توصيات جايمس بايكر ولي هاملتون. وتالياً إذ ترجّح أن لا تصدر نتائج مهمة عن هذا الاجتماع، تبدو دمشق متيقّنة من أن مشاركتها فيه «لن تكون من أجل إنقاذ أميركا في العراق وترك سائر الملفات مؤجلة» بحسب تعبير مسؤول في الديبلوماسية السورية الذي يشير أيضاً إلى ترابط الملفات الإقليمية، في العراق وفلسطين ولبنان، بعضها ببعض. على الأقل بالنسبة إلى تأثير سوريا في كل منها. ويلتقي هذا الموقف مع قول مسؤول سوري آخر: «الأميركيون يعرفون تماماً موقفنا في العراق مذ زار كولن باول دمشق بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وهو أننا لن نتدخّل سلباً، ولن نتدخّل إيجاباً إلا إذا طلب منا ذلك الشعب العراقي».
وفي هذا إشارة واضحة إلى أن نظرة سوريا إلى تعاونها مع اجتماع بغداد توجب أن يأخذ الاجتماع في الاعتبار مصالح الدول المجاورة لهذا البلد من خلال حوار جدّي وبنّاء، ما دام البعد الدولي لا يقتصر على مشاركة واشنطن، بل أيضاً سائر الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. والمقصود بذلك فتح قنوات حوار أميركي ــــــــ سوري في المنطقة.
يضيف المسؤولون السوريون الكبار: «علاقاتنا الديبلوماسية قائمة. وفي وسع الأميركيين طرق بابنا مباشرة والقول إنهم جاهزون للحوار. لا يحتاج الأمر إلى إطار خاص في اجتماع بغداد أو سواه. لدينا سفير في واشنطن، ولديهم قائم بأعمال السفارة في دمشق. بل في إمكانهم إيفاد مبعوثين لمناقشة المواضيع العالقة».
2 ــــــــ تأمل دمشق ــــــــ وقد لا تتوقع ــــــــ أن يكون اجتماع بغداد خطوة لمراجعة أميركية فعلية لوجودها العسكري في العراق. حمل هذا الأمر مسؤولاً سورياً على حضّ نظيره العراقي على استعجال بناء الجيش والشرطة في أسرع وقت قبل أن يُفاجأ العراقيون بما درج عليه الأميركيون في أكثر من مكان في العالم، وهو الانسحاب المباغت وترك الفوضى تعمّ البلد الذي يغادرونه. وذكّره بأنهم أقدموا على ذلك عندما خرجوا من فييتنام، وكذلك عندما غادروا لبنان عام 1984. كانت ملاحظة المسؤول السوري تعليقاً على ما لمسه من نظيره العراقي إذ قال له إن حكومته لا تملك طوافة عسكرية للاستعانة بها في عمل أمني ما يضطرها إلى «استعارة» طوافة أميركية وتكليف الجيش الأميركي المهمة. واستناداً إلى تقدير المسؤول السوري نفسه بأن للسياسة الخارجية الأميركية جذوراً في السياسة الداخلية، فهو يرجّح أن يجعل الكونغرس من السنتين الأخيرتين من ولاية بوش «جحيماً».
3 ــــــــ تلاحظ دمشق أن الضغوط عليها بدأت بالانحسار من دون أن تقدم على أي تنازل كبير لأعدائها. والأحرى، يقول مسؤولون كبار فيها، ألا تفعل وقد بدأت تستعيد حضورها في المنطقة بدءاً باجتماع بغداد، مروراً بالاعتراف بمصالحها في لبنان من خلال حلفائها في المعارضة اللبنانية، وصولاً إلى القمة العربية في الرياض. وكما أن اجتماع بغداد سجّل اعترافاً ملموساً بالحاجة إلى دوريْ دمشق وطهران في إعادة الاستقرار إلى العراق، فإن حضور سوريا القمة العربية وهي تواجه أكثر من خلاف مع مصر والسعودية والأردن، سيكرّس اعترافاً مماثلاً يتجاوز حال النبذ والعزل التي سعت إليها هذه الدول. والجهد الأول الذي بذلته دمشق في هذا السبيل، يقول المسؤول السوري، أنها وضعت لبنة اتفاق مكة على أراضيها، ولم يضرها ألا تقطف هي ثماره مباشرة.
4 ـــــــــ تؤيد دمشق السقف السياسي الذي وضعته المعارضة اللبنانية لمطالبها للتوصّل إلى تسوية سياسية مع قوى 14 آذار، وتقضي بمنحها الثلث المعطل في حكومة الوحدة الوطنية (وفق معادلة 19 + 11) مع ضمانات تقدّمها المعارضة باستقرار العمل الحكومي وعدم تعريضه لخطر الانهيار، وإقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقانون جديد للانتخاب. في هذا الإطار لا تميّز بين موقفها وموقف طهران من المحكمة الدولية إذ يريان أن المقصود بها رأس حزب الله. وخلافاً لما تردّد من أن إيران وافقت المملكة السعودية على إقرار مشروع المحكمة الدولية بلا تعديل، يقول المسؤولون السوريون الكبار أمام زوارهم إن طهران تسلّم بالموقف الذي يراه حليفها حزب الله من المحكمة الدولية. أضف أن لدمشق قراءتها وملاحظاتها على مشروع المحكمة وأبرزها أنه يجعل من المدعي العام صاحب الصلاحية الأوسع في المنطقة، لا في لبنان وحده. وهو إذ يلعب في وقت واحد دوري المحقق والمدعي العام يملك صلاحية إحضار مَن يشاء من أي مكان، الأمر الذي يمكّنه من إدارة ملف سياسي أكثر منه جرمياً، «فكيف إذا عيّن مدع عام قاضياً من نمط شخصية ديتليف ميليس ويسلك سلوكه، أو أن يكون ديتليف ميليس نفسه؟».
يذكّر ذلك المسؤولين السوريين بمخاوف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من مشروع المحكمة الدولية وقوله للقيادة السورية «إنهم (الأميركيون والإسرائيليون) يريدون أن يأخذوا بالمحكمة ما لم يأخذوه في الحرب».
وعلى جاري موقفها المتحفظ عن الخوض في موضوع المحكمة الدولية، تعتبر دمشق، مجدداً، أنها «غير مشتبه فيها» في أي من تقارير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، وتدرج علاقتها باللجنة في سياق أنها «لم تتعاون معها لكونها غير معنية بالأمر، بل أسدت لها أكثر من خدمة» بمساعدتها في جمع المعلومات. يعبّر ذلك عن تشبّث المسؤولين السوريين الكبار بموقفهم من مهمة لجنة التحقيق، ثم من المحكمة الدولية، وهو أن سوريا «غير معنية، لا من قريب ولا من بعيد، ولا صلة لها بالاغتيال، لأنه لا مصلحة لها به ولا حاجة إليه ولا تملك الإمكانات الكفيلة بتنفيذه».
وهكذا تبدو معنية في الظاهر، يقول المسؤولون أنفسهم، من موقع حرصها على حليفها حزب الله.