رندلى جبور
الأزمــة اللبــنانية انعكســت انقسامــاً حــاداً في المنــازل والمتاجــر وأماكــن التسليــة

«نبيع لوحات كتب عليها: ممنوع الكلام في السياسة تحت طائلة الطرد الفوري». تجارة مربحة اعتمدها أحد التجّار المتنيين «الأذكياء» في محله الذي يبيع فيه «كل شيء بدولار» لتدرّ هذه اللوحات الفائدة المادية على بائعها والفائدة المعنوية والنفسية على شاريها.
العمّ أبو حنّا يبيع يومياً عشر لوحات تقريباً مظهراً بسخرية انعكاساً إيجابياً أولاً ولعله الوحيد للأزمة السياسية الراهنة. فاللبناني «المحنّك» مثلما يصفونه في دول الانتشار حيث يتفوّق اللبنانيون على غيرهم في التجارة و«تسيير الأمور»، يستفيد من كل الظروف ليخرج بإفادة ما، لكن التأثير الإيجابي لهذه اللوحات في «السناكات» ومحال «البليارد» و«البيبي فوت» والدكاكين ليس نهائياً إذ إن كلمة واحدة كفيلة بإشعال النقاش السياسي المحتدم الذي لا يعرف خطوطاً حمراء أو نصوصاً يقف عندها على ما يقول أحد الرواد الدائمين لسناك في الفنار العالي.
الأزمة السياسية اللبنانية انعكست انقساماً حاداً في المنازل والمتاجر وحتى في أماكن التسلية فبات من الضروري ضبط هذا الانقسام وكان الحل الذي يعتمده أصلاً أصحاب محال ومطاعم كثيرة، أكثر تنظيماً مع تجارة لوحات منع الكلام في السياسة التي سوّق لها أبو حنا في المتن الشمالي.
ريمون، صاحب سناك في منطقة السبتية، أشار إلى أن وضع هذه اللوحة خفّف كثيراً من الكلام السياسي الذي كان يؤدي في أحيان عدّة إلى مشكلات وصلت إلى التشابك بالأيدي والكراسي ولكنه لم يلغ هذا النوع من الأحاديث نهائياً لأن «كيف ما برمت بلبنان ما بيطلعلك إلا السياسة. الولد الزغير صار يحكي سياسة».
مباريات البليارد الليلية كانت تتحوّل في إحدى المحلات إلى مباريات سياسية بين «القوات» و«العونيّين» تمتدّ مفاعيلها إلى «الحي» و«الساحة». بسحر ساحر، وكأن لهذه القطعة البلاستيكية البيضاء التي طبع عليها عبارة واحدة تهدّد بالطرد الفوري، أثراً عجيباً على الجو المتوتر إذ خفّض المشكلات بنسبة 90 في المئة تقريباً وفق ما أشار صاحب المحل وذلك في رأيه لأن «ما في مكان ثاني للتسلية بالمنطقة فلاقوا الشباب حالن مضطرين يلتزموا» وخصوصاً بعدما وُضع المكتوب قيد التنفيذ وطرد «جان» أحد الشبان «ليعلّم غيره فيه».
ورداً على سؤال عن مدى التزام الشباب نص «عدم الكلام في السياسة» أتت الإجابات مختلفة. فبعضهم يلتزم للحفاظ على العلاقة التي تربطه بصاحب المحل، والبعض الآخر يلتزم خوفاً من الطرد «أحسن ما تصير خبريتو ع كل لسان» والبعض الثالث الذي لا يمكنه التوقف عن «الحكي بالسياسة لأنها بتدخل بصلب الحياة اليومية» يرى نفسه مدافعاً عن خطه السياسي عند كل فرصة سانحة وينتظر كلمة أو إشارة حتى ينطلق بالحديث.
تجارة «أبو حنا» لبنانية بامتياز، لا تكتب لها ظروف النجاح في أي دولة أخرى ويقول «تاجرنا المحنّك» إن هذه التجارة ليست ظرفية لأن لبنان بلد سياسي ويضيف «يا خيّي هيدا عوني وهيدا قواتي، وهيدا اشتراكي وهيدا حزب الله وهيدا مستقبل» ويكمل «اليوم فيه 8 و11 و14 آذار بكرا بصير فيه تجمعات سياسية ع عدد أيام الشهر».
دخلت السياسة في لبنان إلى اللعبة ووسيلة اللهو و«السندويش» حتى باتت لوحة «ممنوع الكلام في السياسة» قطعة أساسية من مفروشات أي محل يريد صاحبه الحفاظ على «باب رزقه» وهي نفسها شكلت «باب رزق» العم أبو حنا على رغم أنه يفضّل تحسّن الوضع في لبنان على الاستفادة من الأزمة لأن مضارها أكثر من إفاداتها.