كأس الحزن المترعة
  • روز زياده

    كأس نتجرعها برشفة واحدة، تتخدر عقولنا، ويزيغ بصرنا، ونعتقد للوهلة الاولى أننا في حلم، حلم كابوس. ونبدأ بالصلاة ليكون كابوساً. ونبقى على هذه الحال الى ان نرى صندوقاً يخترق الجموع، ونحن نتبع الصندوق وتكون ساعة الحق لنستفيق، لنصرخ، لنبكي... لنندم. لماذا نندم؟ وساكن الصندوق لا يعرف منا غير الوجه المركب الله أعلم على أي اسم. لكن نندم لأنه لم يشرف على ابداع لنا ولم ينتقدنا. نشكو حظنا العاثر لأننا ذهبنا الى حيث هو في وقت متأخر، لم نستطع سوى التعّرف الى وجهه، نبرة صوته وصلت الى آذاننا خفيفة في ذاك الوقت الضيق. في دنيانا، الانسان هو اعظم ما يمكننا التعّرف اليه، والمباهاة بأننا قابلناه، وتحادثنا معه. هذا فيما يعود لمحتلي المناصب والزعامات، وهذا ما ادركته يوم ذهبنا مع ابناء بلدتي لزيارة بعضهم. اما اليوم فوضعي يختلف، لأنني منذ اربعة اشهر كنت اطالع كل يوم جريدة «الأخبار»، وافتتاحية جوزف سماحة، ولكون عملي خارج اطار التحرير الا من بريد القراء، ما كان لزاماً عليّ التعرف بكل المديرين ورؤساء الاقسام، وعليه بقيت مجهولة من رئيس التحرير وبقي رئيس التحرير ذاك الانسان الندرة من كثرة كلام الآخرين عنه.
    بعد ان شاء القدر مرافقة رئبس التحرير بعيداً صدحت الكلمات، والصفات، والحسرات، وكل الدموع التي ذرفها كبار وصغار في الجريدة اجتاحني الندم لأنني لم استطع أن أحزن مثلهم، كما انه ليس باستطاعتي أن أتقمص مشاعرهم، لكن بعد كل ما قيل فيه... بكيت وحزنت لخسارة لبنان في اشد محنته من اصحاب الجرأة في قول الحق. في الاشارة صراحة الى الهاوية مع التحذير من الوقوع في المحظور تجاه لبنان وطناً وتجاه ابنائه كل ابنائه لأن انتماءاتهم المتعددة هي اساس العيش المشترك السليم. وإن طرح السؤال على أية مجموعة: ما هو هدف تياركم او حزبكم او مجموعتكم؟ نجد دائماً الجواب الواحد: هدفنا لبنان، حريته استقلاله. إذاً، الذي نحن فيه ينقصه طرح السؤال بصيغة اخرى: أي لبنان تريدون؟ جوزف سماحة كان سيجد لهم الصيغة التي تسع الكل... اجل كل ابناء لبنان على اختلاف انتماءاتهم، وشعاراتهم، وحتى الحياديين منهم. كان في وسعه ان يقول: هذا اللبنان المرغوب في وجوده من الجميع، تعالوا نتعهد اعادة بنائه بتقديم كل تيار ما عنده ليساهم بالحفاظ على ديمومة وجوده وبناء مؤسساته وتأمين العيش الكريم لكل ابنائه، بعيداً عن الشروط، وعن التخوين، وعن الزعامات.
    لبنان الموجود بوجود اللبنانيين، بهمة اللبنانيين، بخبرة اللبنانيين لا يخاف شرقاً ولا غرباً. لا ينهار لتحول في الجوار. لا يخلو من اللبنانيين، اذا ما تعثر في امر من اموره سيحتضنونه هم لتكون عثرته غير ذات اهمية، وتكون كأس الحزن المترعة حفزت اراداتنا على المساهمة في اعادة بناء لبنان وفي ضمير كل منا جوزف سماحة وكل من غادرونا وقلوبهم تصرخ باسم لبنان.



    ... ما أحوجنا لهامتك!

  • علي رفعت مهدي


    ... أن تكتب عن القدوة، والفكر، والحب، والقضية، صبر ومشقة وعناء في درب ما تصبو اليه لتلامس جوزف وسماحته!
    جوزف سماحة!
    دون ان اعرف تقاسيم وجهك لسنوات طويلة خلت، قرأتك حرفاً وكلمة وتعبيراً... وتتبعتك «اتباع الفصيل أثَر امه» التزاماً، وقضية ومعرفة، فاذا بي امام عملاق وكبير في بلاد الحرف وأمة الكلمة، والعمالقة لا يموتون، ولا يرحلون، ولا يغادرون!
    جوزف سماحة، علَم من اعلام الفكر والنقد والثقافة والسياسة، والمعرفة! والاعلام لا يذوون، ولا يذبلون، ولا يتلاشون، بل «تتجوهر» الحياة بهم، وتتأصل القيم والمبادئ والشمائل، لتكون كلمتهم فيضاً من ينابيع متفجرة تنهل الازمنة منها زاداً ومعيناً، ليوم تجف فيه مصابيح الكلم وجواهر البلاغة!
    جوزف سماحة!
    ما احوجنا اليك في زمن ضيق مهزوم صغير! ما احوجنا الى صمتك البليغ، وقبس عينيك المتوقدتين! الى الحروف تنساب بين اناملك حقائق روح لن تخبو ولن ينطفئ اوارها.