إبراهيم الأمين
لا يبدو أن الأمور تتجه إلى حل جدي وسريع، بل على العكس فإن الأمور قد تشهد تطورات من النوع الذي يكشف عمق الأزمة اللبنانية نظراً لارتباطها الوثيق بالخطة الأميركية في المنطقة، وما يجعلها وثيقة الصلة بخطة المواجهة للخطة الأميركية. وهذا يعني أن ما نشهده الآن من محاولات التوصل إلى صيغة للتسوية لا يعدو كونه محاولة من النوع الذي يعكس قلق الأطراف المحلية والإقليمية من احتمال الانفجار الداخلي في لبنان. وهو قلق موجود لدى السعودية وبعض دول الخليج العربي من جهة، ولدى إيران وسوريا من جهة أخرى. لكن المداولات التي جرت في الآونة الأخيرة أظهرت أنه غير موجود لدى الجانب الأميركي الذي يهتم أكثر بموقع لبنان في سياق مشروعه الكبير، وبالتالي فإن أي خطوة نوعية من جانب حلفاء أميركا في المنطقة لا يمكن أن تتجاوز المصالح الأميركية، وهو ما يفسر مباشرة العمل الأميركي الدؤوب على نسج تحالفات لبنانية من النوع الذي يستهـــدف البعث برسائل إلى من يهمه الأمر.
وبحسب مرجع سياسي بارز فإن الموقف يجب أن يقرأ من خلال المحاولات السعودية ــــــ الإيرانية للحل. ويروي أنه منذ باشر الجانبان البحث التفصيلي في الأزمة، تبلغ الإيرانيون موافقة سعودية واضحة وغير قابلة للبس على مبدأ تأليف حكومة وحدة وطنية على قاعدة 19 + 11، وطلبوا بالمقابل تخلي المعارضة عن مطلب الانتخابات المبكرة والاكتفاء بوضع قانون جديد للانتخابات قبل مدة بعيدة عن الاستحقاق. ثم إن إيران التي أبلغت السعودية دعمها إقرار مشروع المحكمة الدولية بعد إعادة دراسته، تبلغت من السعودية تفهماً واضحاً حيال أبعاد التسييس الخطيرة على التحقيق وعلى المحكمة. ووصل الأمر إلى حدود أن بندر بن سلطان وافق على فكرة أن تقر المحكمة الآن وأن يؤجل تشكيلها إلى حين انتهاء التحقيق، وخصوصاً أن هناك أسئلة كثرة عمّا سيصل إليه التحقيق خلال الفترة المقبلة، والكلام عن طلب سيرج براميرتس له ولخلفه مهلة تمتد بين ستة أشهر وسنة حتى الوصول إلى مرحلة إعداد قرار ظني. واتفق يومها على تأليف لجنة ثنائية بين الموالاة والمعارضة بغية وضع ملاحظات على مشروع المحكمة كما هو موجود الآن.
ويعيد المرجع التذكير بأن بندر حمل الملف وتوجه به إلى الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وعاد متراجعاً وعارضاً الآتي:
توسيع الحكومة على قاعدة 19 + 10 + 1 والأخير يتم التفاهم عليه بين الفريقين، وأن يصار إلى إقرار المحكمة سريعاً قبل إنجاز ملف المحكمة بصورة نهائية، وأن يتم الاتفاق على تقريب موعد الانتخابات الرئاسية، وأن تكون الانتخابات النيابية بعد الانتخابات الرئاسية. وهو الأمر الذي عرف بندر أن المعارضة لا توافق عليه، وأن إيران لن تكون قادرة على الأخذ به، ولو فعلت فهي غير قادرة على إلزام المعارضة به. وتبيّن للمرجع أن النائب سعد الحريري أبلغ حليفيه وليد جنبلاط وسمير جعجع نتائج الاتصالات، وتبلغ الأخيران الأمر من الجانبين الأميركي والفرنسي أيضاً، حيث أبلغا ضرورة القيام بما يلزم لوقف الأمر. لكن المفاجأة جاءت هذه المرة من الرئيس فؤاد السنيورة نفسه الذي رأى الأمر بمثابة كسر لصورته، وقال إنه في حال حصول اتفاق من هذا النوع، فهو لا يريد أن يبقى رئيساً للحكومة. ويلفت المرجع إلى أنه برغم هذه العرقلة فإن النشاط السعودي ــــــ الإيراني لم يتوقف، وأنتج لاحقاً توافقاً على إقامة لجنة مشتركة للاتصال بين المعارضة الموالاة، وحُصِرت بين ممثلين للرئيس نبيه بري وللنائب الحريري. وفي جلسة حاسمة تبلغ مندوب الرئيس بري من نظيره كلاماً اضحاً، وله مغزاه: لن نقبل بقاعدة 19 + 11 لسبب واحد، هو أن تحقيق هذا المطلب يعني تحقيق ما قاله السيد حسن نصر الله عن وعده جمهور المعارضة بالنصر. وهو أمر لن تقبل به الموالاة تحت أي ظرف.
ومع أن فريق المعارضة عاد وأبلغ السعودية والفريق المنتدب من النائب الحريري أنه لا مجال لأي تسوية لا تقوم على قاعدة 19 + 11، وجد الفريق الآخر أن الطريق مسدودة أمام تفاهم وسطي. ويبدو أن المعارضة ــــــ كما يقول المرجع ــــــ لن تتراجع عن هذا المطلب تحت أي ظرف من الظروف، وأن النقاش في ملف المحكمة لا يمكن أن يكون إلا بعد التفاهم على هذا البند. وجاء هذا الموقف بعدما طلب السعوديون من المعارضة إيداعها الملاحظات على مشروع المحكمة، بغية مناقشتها مسبقاً تحت حجة أن فريق 14 آذار يعتقد أن المعارضة تريد تفريغ المحكمة من مضمونها، وهو الأمر الذي رفضته المعارضة، مؤكدة أن التسوية الممكنة هي فقط في تأليف لجنة مشتركة تجد حلاً لملفي المحكمة والحكومة.
عند هذه النقطة، بدت الأمور تتعقد أكثر فأكثر، وخصوصاً أن العامل المتعلق بسوريا دخل بقوة على الخط. لكن دمشق أبلغت الوسطاء أن موقفها من ملف المحكمة لا يتصل بشيء يخالف ما تراه مناسباً لها، وهي بالتالي لن تقبل بأي إطار قانوني لا يتوافق مع قوانينها، وسوف يكون من المستحيل اعتراف سوريا بشرعية أي محكمة لا تتوافق مع القوانين السورية. وهو الأمر الذي ترافق مع بروز ملاحظات من جانب روسيا على مبدأ إقرار المحكمة تحت الفصل السابع، حيث لا يتوقع أن يتم الأمر إلا في حالة خاصة جداً.
إلا أن الأمر الأخطر يتعلق بملف الحكومة نفسها، وينقل عن الرئيس بري قوله في هذا المجال إن التوافق على ملف المحكمة يمكن أن يكون أسهل من التوافق على ملف الحكومة، وخصوصاً أن لدى فريق الأكثرية تصوراً ساذجاً للحل ينطلق من قاعدة أن حصة أمل وحزب الله تعود كما كانت عليه وأن يتم إدخال وزيرين للعماد ميشال عون وآخرين يمثلان حلفاءه في تكتل الإصلاح والتغيير، وأن يعمد فريق الأكثرية إلى تعديل من جانبه يعزز حصة القوات اللبنانية لمواجهة النفوذ الإضافي للعماد عون، علماً بأن صورة الموقف لدى فريق المعارضة تتجاوز هذه الفكرة، وهي تنطلق من إعادة النظر بالاستقطاب الطائفي والمذهبي القائم حالياً. ويبدو أن المعارضة تريد توزيعاً للوزراء والحقائب يمنع التكتل الطائفي أو المذهبي داخل الحكومة، وهو الأمر الذي يتعارض وجوهر موقف فريق 14 آذار الذي لا يقبل بصورة المعارضة الوطنية ويريدها عنوة معارضة ذات لون مذهبي واحد.