التسامح والحرية


  • وقفت طويلاً على حافة الأيام القليلة التي جمعتنا معاً، وكان القدر هذه المرّة لا القضاء، ألا وهو عملي في جريدة «الأخبار» الذي تفانيت من أجله.
    خلال ثمانية أشهر لم يكن كافياً أن أعرف جوزف سماحة عن كثب، ولكن ثمة تصرفات متواضعة أشرقت كوضح النهار لأتعرف بك أيها العملاق، المتواضع، وكنتُ دائماً أطرح على نفسي أسئلة عدة: ما هو الشيء الذي يجمعني بك؟ فأتى الجواب أخيراً: العلمانية التي هي منتهى القدسية الإنسانية، وهي التي ميزتك من سائر الناس في مسار حياتك وقصتك مع العذاب الذي فيك كبراً وتسامحاً.
    رفضت التعصّب لأي دين كان وآمنت بإله الحرية والمحبة والصدق، وكانت صلاتك وستبقى كلمة الحق وإظهار الحقيقة في زمن ساده الحقد والحسد.
    لم أتخيل أن ثمة عدواً يكرهك فأنت مدرسة في القيم والعلم والمعرفة. أخاطبك بهذه الكلمات البسيطة ولا أرثيك لأن الإنسانية لا تُدفن تحت التراب ولا تموت ولا يوجد لها مثوى أخير في السماء ولا على الأرض، فهي تتوارى في خفايا النفوس الحاقدة الهشة، وأما أنت فتحيا بيننا، ونفتقدك في غياب طويل.
    جوزف سماحة سنبلة قمح انحنت تحت وطأة العطاء، فجمعت الأضداد والمتناقضات وكان الجميع مسروراً.
    نعاهدك أن نكون أوفياء لفكرك النيّر وقيمك وأن نحتضن جزءاً من مولودتك الحديثة التي سهرت الليالي من أجلها وهي «الأخبار».



    وداعاً «أيها الكبير»



  • توفي أستاذنا الكبير...
    كان للخبر وقع الصدمة، لون الفاجعة، فالعيون في «الأخبار» حائرة... تائهة... تبكي الخبر؟ تصدقه؟ تكذبه؟
    ودّعك الجميع بوردة، بريشة، بتصفيق، وبوعود نقية صادقة.
    لحظات رهيبة مرت بنا قبل أن نصدق الخبر ونتأكد لاحقاً من أن أستاذنا رحل!..
    أستاذنا... أيها العملاق الذي احتللت الصفحات الأولى في حياتك ومماتك، لأنك صاحب الكلمة الشجاعة والجريئة والملتزمة.
    وداعاً...
    ... أستاذنا، لن نبكيك، لن نرثيك، لأنك ستبقى حياً فينا، وستبقى الدليل والنور الذي يهدينا الى الرأي الحكيم. ذلك ان كل من نهل من معين جوزف سماحة يتعلم معنى العمل والالتزام والوفاء. وسيظل فكرك شعلة مضاءة أبدية.
    وأخيراً بدموع العين الحارقة وجراح القلب نقول بكل أسى ولوعة:
    «وداعاً أيها الراحل الكبير».



    معلّمنا... الذي لم نرَه...



  • هذا هو الرجل الذي يخيّل إلي ان الكتابة أثارته دون أهلها جميعاً لتضع فيه روحها، فأوجبت له ما لم توجب لغيره، وأعانته بما لم يتفق لسواه، ووهبته من القدرة والتمكين القدر الكبير.
    جوزف سماحة: هذا هو الاسم الذي كان من الكتابة كالشمس من المشرق، حتى إذا طلعت في موضع كانت في كل موضع.
    جوزف سماحة: رجل عاش حتى تم، وذلك برهان التاريخ على اصطفائه، ودليل العبقرية على ان فيه السر المتحرك الذي لا يقف ولا يكلّ ولا يقطع نظام عمله، كأن فيه حاسة نحلة في حديقة.
    عرفت المعلم الأستاذ جوزف سماحة من خلال ما كتب... لأننا قرأناه قلماً حين عزّت الأقلام... فعرفناه علماً... ليقتدى به...
    سيبقى جوزف سماحة... ذلك الإنسان المليء الذي أعطى... فاستحق منّا أن نبقيه في ذاكرتنا وقلوبنا...