فداء عيتاني
تحرص «الجماعة الإسلامية» على التمايز في موقفها، كما على حياد يشكك فيه كثر، وهي في سياق حيادها توجّه نقداً الى أكثر من طرف، وخاصة تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط، إلا ان هذا لا يمنعها من توجيه نقد عميق لـ«حزب الله» الذي تلتقي معه في نقطتين رئيسيتين: المنطلقات الإسلامية والعداء للأميركيين والإسرائيليين.
إلا ان ملامسة الشأن المحلي أمر آخر، والتوصل الى تفاهم مشترك احتاج أخيراً إلى لقاءات عدة، كما يؤكد مصدر في قيادة الحزب، وخاصة في الأسابيع القليلة الماضية التي استبشر فيها الحزب بقرب التوصل الى تفاهم مكتوب، إذ عقد لقاءان بين قياديين من الطرفين كرّسا التفاهم بينهما على نقاط الالتقاء، ويفترض ان يعقد في الساعات المقبلة لقاء لبحث نقاط الخلاف على المسألة الداخلية، انطلاقاً من التفاهم على تحديد العدو الخارجي وضرورة الوحدة الإسلامية والدفاع عن سلاح المقاومة.
صباح الخميس يُفاجأ المسؤول عن الاتصال بـ«الجماعة» من جانب حزب الله، بموقف «الجماعة» الذي عكسته جلسة مصارحة مع «الأخبار»، ويسأل عن توقيت الكلام بخاصة ان الأمور تتجه الى انفراج وصولاً الى تفاهم مكتوب، ولا سيما انه لا خلاف على الثوابت بل على الموقف الداخلي، الذي «كلما اقترب البحث منه تزداد الحدة عند طرف قناة الاتصال بالجماعة».
ويضيف القيادي ان الماضي القريب شهد تحميل الرئيس السابق للمكتب السياسي للجماعة أسعد هرموش مسؤولية سلسلة من الزلّات التي وقعت فيها الجماعة باعترافها، متسائلاً «من ستحمّل الجماعة اليوم نتيجة الخلل في علاقتها بالحزب ونتائج مواقفها السياسية؟ وهل في الجماعة من يسعى الى توتير العلاقة المشتركة؟».
حزب الله استبشر خيراً بعيد انعقاد مؤتمر الجماعة الذي انتخب فيه علي الشيخ عمار رئيساً للمكتب السياسي، وحصلت خلاله مجموعة تغيّرات، رأت قيادة الحزب فيها دعماً لسياسة حفظ المقاومة. إلا ان المصدر يقول: «لسنا مع سياسة التلطّي بالأوهام، ونسأل ماذا حققت الجماعة نتيجة سياسة الحياد؟»، لافتاً الى أن تيار المستقبل كان «الأقدر على توظيف قدرات الجماعة لمصلحته، فهل يهربون من هذا الواقع عبر وضع الأمور في سلة حزب الله؟».
ويصل المصدر الى «أزمة الدور» التي يرى ان «الجماعة» تعيشها، مشدداً على أن «الدور لا يعطى، بل ينتزع ويفرض فرضاً، والاصطفافات الحادة اليوم هي نتيجة موقف من مشروعين، والموقع الوسطي غير مقبول إلا في سياق واضح كالذي يتخذه الرئيس سليم الحص، الذي لم يخرج عن الثوابت الرئيسية».
ويبدي المصدر خشيته من ان تكون أزمة العلاقة «ناتجة من رأس قناة الاتصال في الجماعة الذي يستقي معلوماته من موتورين»، مشيراً الى خطأ في المعلومات التي توردها «الجماعة» عن مسألة الصواريخ التي انتهت بعد إرسال حزب الله إفادة الى القاضي جان فهد بأن الصواريخ مخصصة لمقاومة إسرائيل. أضف ان الحزب علم بالأمر عبر وسائل الإعلام ولم تتصل به «الجماعة» بداية لوضعه في صورة ما يحصل.
ويكاد المصدر ينفي أهمية مبادرات الجماعة حين يجيب عن سؤال بالقول إن حزب الله يحصل في المفاوضات مع فريق السلطة على أكثر مما تعرضه الجماعة في مبادراتها، «ومبادرة الاستراتيجيا الدفاعية لا نرى فيها حفظاً للمقاومة ولا لاستقلاليتها»، مستدركاً «إلا إذا كان المقصود أن نمارس المقاومة كما فعلت في الماضي حركات وضعت مقاومتها في خدمة الأنظمة. ألا تعتقد الجماعة ان المقاومة تستحق ان تتناغم مع الحكومة، شرط ألا تكون هذه أميركية الهوى؟».
ويضيف ان «الحد من الحقن المذهبي الذي تريده الجماعة لا يتم عبر تحميل المقاومة المسؤولية نتيجة حركتها في الشارع بعد فشل المفاوضات مع فريق السلطة، بل هذا الموقف أقرب الى صبّ الزيت على النار، وخاصة ان بعض قياديي الجماعة يبدون كمن يتلمس الأعذار لتيار المستقبل، على رغم علم الجماعة ان استراتيجية المقاومة تقوم على وحدة الصف الاسلامي»، و«نتيجة ممارسة الجماعة هي المزيد من محاولة عزل المقاومة عن جسم الأمة، كما يحاول قياديو الهلال الخصيب أن يفعلوا».
ويضيف المصدر الذي يهمه ان تصل الأمور كما هي «الى قواعد الجماعة وكوادرها»، أن أزمة الجماعة ليست في العلاقة مع حزب الله، بل في خياراتها السياسية المحلية، مشيراً الى أنها المرة الأولى التي تطرح فيها الأمور بين الطرفين بشفافية وجدية «ولكن سياسة الجماعة تغيرت منذ خروجها من تجمع 8 آذار»، خاتماً بأن الطريق بين الطرفين «لا يجب أن تقفل».