strong>رنا حايك
وصلت حمّى دراسة اللغة الصينية التي يبلغ عدد الناطقين بها 1,2 مليار شخص حول العالم، التي تسعى الدول الأوروبية إلى إدراجها في مناهجها التعليمية بينما ينشط تعليمها في أميركا وفي بعض الدول العربية، إلى لبنان، واستقرّت في الجامعة اليسوعية.
وأصبح على اللبنانيين إعادة النظر في العبارة الشهيرة التي درجوا على استخدامها تعبيراً عن عدم فهمهم لحديث أحدهم: «كأنه عم يحكي صيني...
فكلية العلوم الإنسانية في الجامعة اليسوعية افتتحت منذ أسبوع الفرع الأول والوحيد في العالم العربي لمعهد كونفوشيوس الصيني الذي ينتشر 130 فرعاً منه في جميع أنحاء العالم. يستمر التسجيل لدورات اللغة والتدليك علماً أن دروس اللغة تبدأ يوم الاثنين في الثاني عشر من الشهر الجاري.
يسعى المعهد، الذي تديره وزارة التربية الصينية من خلال المكتب الوطني لتعليم الصينية كلغة أجنبية «الهانبان»، إلى توثيق العلاقات بين الشعب الصيني وشعوب العالم بهدف ترويج التعاون الاقتصادي والتبادل العلمي والثقافي بين الصين والدول المضيفة، وذلك من خلال نشر اللغة الصينية والثقافة الصينية.
يوفّر المعهد تعليم اللغة الصينية والطب الصيني التقليدي ابتداء من شهر آذار المقبل بينما يتم التحضير لمباشرة تعليم اختصاصات السياسية والاقتصاد والفنون القتالية والطبخ والرسم الصينيين.
وبموجب الاتفاق الذي عقد بين المعهد والجامعة اليسوعية، ستقدّم جامعة «شينيانغ» الحكومية للمعهد الدعم المالي من كتب ومنح طلابية والدعم اللوجستي المتمثل بالجسم التعليمي.
يرفض نائب رئيس الجامعة اليسوعية للعلاقات الدولية، الدكتور أنطوان حكيّم، السؤال عن مدى «مغامرة» الجامعة في افتتاح المعهد، فالجامعة تلبّي حاجة اللبنانيين إلى تعلّم اللغة الصينية وقد سبق لها أن تطرّقت لتعليم لغة آسيوية أخرى هي اليابانية منذ سنتين ولقيت هذه الخدمة إقبالاً فاجأ مجلس الأمناء. فقد «بدأ الموضوع حين قرر المجلس الانفتاح على لغات وثقافات بلدان جديدة مثل الصين وروسيا. بدأنا بتقديم خدمة تعليم اللغة اليابانية قأقبل عليها حوالى ثمانين طالباً. لذا تحمّسنا حين فتح الهانبان باب العروض للجامعات التي تود الإشراف على معهد كونفوشيوس في لبنان. قدمنا عرضنا وتم اختيارنا».
يدرس أكثر من ثلاثين مليون شخص حول العالم اللغة الصينية كلغة أجنبية ويؤدي تنامي الاقتصاد الآسيوي وحجم التبادل التجاري والاقتصادي المرتفع بين الصين ومختلف الدول إلى تحفيز المزيد من الأشخاص على تعلّم هذه اللغة التي لطالما ضرب المثل بصعوبتها. فقراءة جريدة عادية تتطلّب معرفة القارئ بستة الاف حرف من أحرف تلك اللغة التي اخترعت قبل 4000 عام.
تعترف إليانا ابراهيم، بصعوبة هذه اللغة التي ستتولى تدريسها في المعهد، لذا يمرّ تدريسها بمراحل متعددة، أولها أن يتقن التلميذ تكلّمها، و«ذلك ينجر بعد حوالى ثلاث حصص تعليمية فقط»، ثم ينتقل بعد ذلك للكتابة التي يستخدم فيها الأبجدية الإنكليزية. وهو النظام الرسمي الذي أسس عام 1958 لكتابة اللغة الصينية بالأحرف اللاتينية، يعرف بـ«نظام بينيين» ويستخدم للتعليم وللأجانب.
تؤكد إليانا، استناداً إلى تجربتها في التعليم، أن اللغة الصينية أصبحت حاجة ملحّة في عالمنا اليوم. فثلاثون في المئة من طلابها هم أشخاص يزاولون مهناً تجارية واقتصادية بينما ترتفع نسبة طلاب الثانوي الذين يدرسون اللغة الصينية إلى عشرين في المئة لإدراكهم مدى أهميتها في مستقبلهم العملي.
وقد شهدت إليانا على هذه الأهمية، كما تروي، حين اتّصلت بها شركة صينية تنوي افتتاح فرع لها في لبنان و سألتها ترشيح أحد طلابها للعمل لديها. أدى اقتراحها لاسم أحد طلابها، وهو طالب في كلية الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية، إلى ترتيب لقاء بين الطرفين أدّى إلى توظيف الشاب في الشركة.
فاللغة الصينية عملية جداً في عالم الأعمال والتجارة وأصبحت تستقطب الكثيرين بسبب تنامي مركز الصين الاقتصادي عالمياً.
يكشف معهد كونفوشيوس والمبادرات المماثلة له عن الوجه المضيء للعولمة، إذ تؤدي هذه المشاريع إلى توثيق الأواصر بين أصقاع العالم المتباعدة وتعيد إحياء علاقات ثقافية أفرزها التاريخ بتلقائية ثم غفل عنها بالتلقائية ذاتها. فمن يعرف مثلاً أن هناك نظاماً لكتابة اللغة الصينية بالأحرف العربية كان المسلمون الصينيون قد طوّروه في مدارسهم الدينية في القرن السادس عشر ويعرف بنظام «شاورجن»؟
ربما يجدر بنا فعلاً إعادة النظر بالعبارة الرائجة «عم يحكي صيني»...