strong>البقاع - عفيف ديابرامي بليبل - أسامة القادري

نشطت في الآونة الأخيرة الدوريات الأمنية اللبنانية على طول الحدود مع سوريا، في وقت ارتفعت فيه وتيرة زيارات الوفود الأمنية الدولية إلى بعض النقاط الحدودية لـ«استطلاع» عمل الأجهزة في المراقبة وقمع عمليات التهريب. وفي موازة كل الإجراءات الأمنية اللبنانية والسورية تبقى مسألة التهريب قائمة من دون إمكان واضح للسيطرة عليها وقمعها. التقت «الأخبار» بعض المهرّبين الذين تحدّثوا عن «مهنتهم»

نجحت الثلوج التي غطت مرتفعات جبل الشيخ في «وقف» عمليات التهريب ما بين الأراضي اللبنانية والسورية على «الخطين». فـ«البغال» التي يعتمد عليها في نقل المواد المهربة هي اليوم في «استراحة» موسمية بسبب الثلوج المتراكمة فوق جبل الشيخ التي يصل ارتفاعها إلى أكثر من مترين.
يعتمد المهربون في القرى اللبنانية عند السفوح الغربية لجبل الشيخ على «البغال» في تهريب مختلف أنواع البضائع، حيث وصل سعر «البغل» المخصص للتهريب في بلدة شبعا الجنوبية خلال السنوات الماضية إلى أكثر من سبعة آلاف دولار أميركي. فالمهربون في شبعا وعين عطا والقرى المجاورة دربوا «بغالهم» على نقل البضائع إلى داخل الأراضي السورية في المقلب الآخر من جبل الشيخ من دون «مواكبة» تجنباً لاعتقالهم من القوى الأمنية اللبنانية أو السورية. فالبغال حفظت المعابر عن ظهر قلب. ويقول أحد المهربين من بلدة شبعا إنه كان يرسل «بغله» وحده محملاً بالبضائع إلى أطراف بلدة الخضر السورية في المقلب الآخر، حيث يكون بانتظاره مواطن سوري يقوم بأخذ البضائع ومن ثم تحميل «البغل» بضائع من عنده. ويشير إلى أن «الثلوج» حالياً عرقلت عملية التهريب التي تتركز على المازوت والدخان والإلكترونيات في الأيام العاديةأما من ناحية سهل البقاع، فإن ظروف المناخ لم تؤثر على التهريب. ويقول بعض المهربين إن البغال والحمير والعربات الصغيرة من أهم وسائل تهريب السلع الغذائية والمازوت، ويقودها في الغالب أطفال تسربوا أو تركوا مدارسهم للعمل بالتهريب مهنةً لهم لم يعرفوا غيرها منذ نعومة أظفارهم في ظل غياب رقابة حقيقية، ليس فقط على التهريب، بل وعلى عمالة الأطفال الذين لا ينتظرهم إلا مستقبل التهريب والسجن.
يروي المهربون الكثير من «القصص» والوقائع التي حدثت وتحدث معهم، ولا سيما خلال تساقط الثلوج أو «ضربهم» فجأة من عاصفة ثلجية في جبل الشيخ. ويقول (ا. م.) إن «بغله» نفق الأسبوع الماضي في مرتفعات جبل الشيخ خلال عاصفة ثلجية، موضحاً أن «البغل» كان محملاً كمية من المازوت.
لم يكن سهلاً إقناع مجموعة من المهربين في البقاع بـ«قول» ما لديهم من معلومات عن كيفية عبورهم الطرق الجبلية الوعرة، أو عبر نقاط الجمارك اللبنانية التي رآى كبيرهم «محمد» أنها «سر المصلحة»، فيما يسأل وليد: «من أين سأبدأ؟ من شرائي للبضائع السورية، أو من شرائي لمن يسمح لي بالعبور؟! يضحك وليد وهو يتكلم عن المرحلة السابقة عندما كانوا يسلكون الطرق الجبلية التي شقوها ما بين لبنان وسوريا في وادي عنجر وخراج بلدتي الصويرة وعيتا الفخار، حيث كانت هذه الطرق لا تخلو من دوريات الجمارك اللبنانية التي كانت تنتظرهم عند أحد المفارق لتتقاضى منهم الرواتب الشهرية بحسب قوله. ولكن اليوم ــــــ يضيف وليد ــــــ الجيش اللبناني أقفل كل المعابر غير الشرعية بالسواتر الترابية و«أصبح عملنا في التهريب صعباً جداً ومخاطره كبيرة، لكننا ما زلنا نجد منافذ لتهريب القليل من المازوت».
يعترف وليد بأنه وزملاءه من المهربين يجتمعون يومياً لرسم «خريطة» طريق التهريب و«ما حدا بيقدر يمنع التهريب».
هل ترشون عناصر رسمية ليسمحوا لكم بالعبور؟ «أحياناً». يقول محمد الذي يُعَدُّ أكثر خبرة من زملائه: «ندفع أحيانا للدورية التي تعترضنا حوالى ألف ليرة سوري عن كل سيارة، ونحن معنا 40 سيارة للتهريب، أي ندفع لكل دورية ما يعادل 800$، وكثيراً ما نصطدم بدوريتين». يرفض محمد الإفصاح عن هوية الدوريات، لبنانية أو سورية، لكنه يؤكد أن «الرشوة» على الخطين.
ويقول زياد الذي يقتصر عمله على تهريب اللحمة والطاووق والشاورما: «علي أن أدفع لكل دورية 50 دولاراً لحمولة 250كلغ»، وأيضاً يرفض الإفصاح عما إذا كانت الدورية لبنانية أو سورية و«قمع التهريب في لبنان أصبح قوياً، والرشوة صعبة وحساسة ودقيقة، ندفع أكثر في سوريا»! ويؤكد زياد أنه يدخل المواد المهربة «رغم أن اللحوم على أنواعها ممنوع إدخالها إلا بعد أن تخضع للفحوص المخبرية والشهادة الصحية من وزارة الزراعة والطب البيطري للتأكد من عدم تأثيرها على صحة المواطن».
يتعرض المهربون لمخاطر جمة خلال عبورهم الجبال الوعرة، لكن الحاجة تبقى هي الأقوى، وتفرض عليهم سلوك «دروب» الموت. ويؤكد «فهد» أن الحاجة هي التي جعلته يسلك هذه الطريق من أجل تأمين قوت أولاده وأقساط جامعاتهم ومدارسهم، و«لو كان ذلك متوافراً لي ولغيري لما عملت في التهريب».
«فهد» متخصص في تهريب المازوت، بعكس زياد «الوكيل» في تهريب «الطاووق والشاورما» على «خط» التهريب في البقاع الاوسط. ويقول فهد عن عدد صهاريج المازوت التي يدخلها من سوريا إلى لبنان إن «الأمر يتوقف على العرض والطلب، ففي فصل الصيف معدل عملنا ثلاثة أحمال في الأسبوع، نتقاضى عنها ما يقارب ألفي دولار ندفع منها بدل إتاوات للأجهزة الضامنة وأكلاف محروقات واستهلاك وصيانة أكثر من ألف ومئتي دولار، وتبقى حصتنا (أتعاباً وإيجاراً) بهذه المغامرة نحو ثمانمئة دولار أسبوعياً، مضافاً إلى ذلك أنه في بعض الحالات تتغير أمزجة الأجهزة أو تتلقى تعليمات بالتشدد فنتعرض للملاحقة القانونية. أما في فصل الشتاء، فالوضع مختلف والطلب يزيد». منذ سنة تقريباً تراجع حجم التهريب نتيجة الإجراءات المشددة التي اتخذها الجيش على طول الحدود البرية مع سوريا. هذه الإجراءات وإغلاق المعابر غير الشرعية بدأت تعوق عمل المهربين، إلا أن إصرارهم على العمل قد يكلفهم في بعض الأحيان حياتهم، وهم يؤكدون أن لا عودة عن التهريب ولا أحد يستطيع قمعه أو منعه نهائياً.