عرفات حجازي
أخيراً، حصل اللقاء المرتقب بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، وبدا أن باب الحوار الذي فتح بينهما هو بديل عن الحوارات الموسّعة والجلسات التشاورية. ومن المفترض أن يعود كل من القطبين إلى حلفائه للتشاور استعداداً لجولات أخرى من البحث المعمّق، بعدما بدا أن المعالجات لم تقتصر على بوابتي الدخول إلى الحل، أي إقرار المحكمة وتأليف حكومة الوحدة الوطنية، بل تعدّاها إلى الخوض في مجمل القضايا من ضمن سلّة واحدة تبدأ بالبوابتين، مروراً بالاستحقاق الرئاسي وقانون الانتخاب والنقاط السبع، وانتهاءً بخطة عمل تنتهجها الحكومة لتطبيق القرارات التي أجمع عليها الفرقاء على طاولة الحوار بالإضافة إلى «باريس 3».
وإذا كان من المبكر الحديث عن نتائج حاسمة في لقاء عين التينة، فإن مجرد إقامة جسر التواصل كان خطوة في الاتجاه الصحيح، وبالتالي فإن الأمر سيحتاج إلى متابعة ما بدأ، كلّ مع شركائه، لتحصين ما تم التوافق عليه من مقترحات التسوية والتداول في ما بقي من نقاط عالقة للوصول إلى حل مقبول وتأمين حماية فعلية له. وإذا كان البيان الذي صدر في نهاية اللقاء أكد على الإيجابية والصراحة في مقاربة المواضيع المطروحة والتي توصّل الجانبان إلى تفاهم على بعضها وترك البعض الآخر لمزيد من التشاور على أمل لقاء قريب لحسمها، فإن متابعين للوساطات نصحوا بعدم تحميل اللقاء فوق قدرته مع تأكيدهم أنه لم يكن مجرد لقاء مجاملة أو تفصيل بسيط في الحركة السياسية، بل بداية التأسيس لحل وطني متوازن بدءاً من موضوع المحكمة وانتهاءً بقيام حكومة وحدة وطنية. ولفت هؤلاء إلى ضرورة الحذر من تدخلات أجنبية ودخول أطراف محلية على الخط لتفشيل الحلول. ووضع هؤلاء دعوة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة لعقد جلسة لمجلس الوزراء عصر اليوم (قبل ارجائها الى الثلاثاء) لتأليف وفد لبنان إلى القمة العربية في خانة التشويش على الإيجابيات التي رشحت عن لقاء عين التينة، وكان بالإمكان تأجيل الإقدام على هذه الخطوة أياماً قليلة لأن احتمالات الوصول إلى تفاهم كبيرة جداً بما يتيح تمثيل الوفد في شكل طبيعي. وإذ رأى هؤلاء أن مشاركة السنيورة في عداد وفد سيرأسه الرئيس اميل لحود سيدفع الأخير إلى رفض هذا الأمر لأنه سيعني اعترافاً منه بشرعيته كرئيس للحكومة، أعربوا عن خشيتهم من تأليف وفدين بما يظهر صورة لبنان المنقسم في تكرار مزعج لتجربة قمة الخرطوم، أو حتى لمشهد التاسع من شباط أثناء القداس في عيد مار مارون. ولم يعرف بعد ما إذا كانت الرياض ستدخل على الخط لمعالجة إشكالية تأليف الوفد، علماً بأنها أبدت، وفق مصادر مطّلعة، رغبتها بأن يكون السنيورة في عداد الوفد الرئاسي، وآملة بأن ينتهي صراع الشرعيات قريبا.
التقديرات في أوساط المعارضة والموالاة بأن ما جرى في عين التينة شكّل اختراقاً في جدار الأزمة، وأول مؤشر جدي في اتجاه الحلول، وهو لقاء لم يبنَ على فراغ بل جاء محصّلة مشاورات ولقاءات كانت مفتوحة بينهما من خلال قناة الاتصال التي تشكلت من معاونيهما كما جاء استجابة لرغبة القيادتين السعودية والإيرانية لتكريس التفاهمات التي حصلت في قمة الرياض حول رزمة من الأفكار من شأنها أن تدفع اللبنانيين في اتجاه التوافق والحل.
وإذا كانت المعارضة عبّرت من خلال بري وبعض مواقف أطرافها عن ارتياحها للأجواء، فإن أطرافاً في قوى 14 آذار تعاطت مع اللقاء بحذر شديد، معتبرة أن الحلول ما زالت بعيدة، وهو ما يؤشر إلى وجود وجهات نظر متباعدة داخل هذا الفريق، وأن ثمة تباينات يتم تظهيرها بشكل حاد تنعكس سلباً على المناخات الإيجابية التي حرص فريق المعارضة وتيار المستقبل على إشاعتها بعد اللقاء الذي شكّل برأيهم أرضية صلبة لحل على المدى الطويل وليس مجرد تسوية انتقالية سرعان ما تسقط بفعل التدخلات الخارجية والتشابك بين ملف لبنان وملفات المنطقة. والمهم حماية ما تحقق ومتابعة ما بقي عالقاً، وصولاً إلى الحلول القابلة للثبات والبقاء.