البقاع ـ نيبال الحايك
تغيّر مشهد البقاع كثيراً. فمنذ الثامن من آذار 2005 حتى أمس، انتقل الشارع البقاعي من موقع شبه واحد ـــ موحّد إلى مجموعة مواقع متقابلة، وتحوّلت القرى والبلدات والشوارع الى ما يشبه خطوط «التماس» بين المجموعات السياسية والاجتماعية، وأصبحت كل مجموعة أو قرية أو دسكرة تعلن عن هويتها الموالية أو المعارضة من خلال رفع صور قادة الفريقين، وبالتالي أصبح دخول هذه المناطق مشوباً بالحذر من قبل أنصار الفريق المناوئ.
ففي بلدة قب الياس، تكثر صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد وصور أخرى للرئيس فؤاد السنيورة في معظم أحياء البلدة التي لا تخلو أيضاً من شعارات لأحزاب معارضة، وبالتالي تحولت البلدة إلى فريقين تسببا بفرز اجتماعي بين الأهالي، وانتفت «السهرات» الجميلة. ولكن المشهد في بلدة سعدنايل مختلف جداً، فالبلدة نشرت بشكل واسع صور قادة 14 آذار، وأصبح مشهد رفع علم القوات اللبنانية أمراً طبيعياً جداً. وأصبح مناصرو فريق 8 آذار أكثر حذراً عند عبورهم البلدة التي عرف عنها في الفترة الأخيرة قطع بعض شبانها للطريق الدولية في وجه 8 آذار. أما مدينة شتورا فقد بقيت نقطة التقاء لمختلف القوى، فهي ساحة تجمع الجميع، وبقيت مبتعدة عن رفع الصور في اتفاق شبه ضمني على إبقاء المدينة الصغيرة محايدة وللطرفين، ولكن عند مدخلها الشمالي تستقبلك صور السيد حسن نصر الله، وعند الشرقي صور الحريري.
وانقسمت بلدة جديتا الى قسمين بسبب توزع سكانها الديموغرافي، ففي البلدة تنتشر بكثافة صور الحريري، ولكن القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر التزما بعدم رفع الصور لتجنب «التوتر». ونجح قادة مدينة زحلة في إزالة كل صور القادة، والمدينة بدأت تتجه نحو «الحياد» لتبقى ملتقى لجميع البقاعيين على حد تعبير أحد رموزها السياسيين، فيما فضل أصحاب المحال التجارية التخلي عن صور «زعمائهم» لأن «الشغل» أفضل. أما تعلبايا، فقد انقسمت الى قسمين، على الطريق العامة تكثر صور الرئيس الحريري، أما في تعلبايا الفوقا فقد انتشرت صور للسيد حسن نصر الله.
هذه التأزمات الأهلية، تحوّلت الى حروب اقتصادية «صغيرة» بدأت تتبلور ميدانياً. فأنصار 8 آذار قاطعوا المحال التجارية الموالية لفريق 14 آذار. ويقول أبو محمد من تعلبايا إنه فقد الكثير من زبائنه لأنه يوالي فريق 8 آذار، أما أبو خالد فيسعى جاهداً لإعادة زبائنه من فريق 8 آذار، موضحاً أنه أزال من محله التجاري كل الشعارات والصور التي تدل على هويته السياسية، وقال: «صور الزعماء لا تطعم خبزاً، والسير وراءهم يوصل الى الجوع»!
ومن الظواهر الطارئة على حياة البقاعيين «انشطار» سائقي سيارات الأجرة أيضاً إلى فريقين متنازعين، وأصبح لفريق 8 آذار «سرفيساته» الخاصة، وكذا حال 14 آذار. فأبو الياس أصبح «مختصاً» بنقل موظفيه من «14 آذار» إلى أعمالهم في شتورا وزحلة، ويقول: «لا أدري لماذا أصبحت محسوباً على فريق 14 آذار، فلا شأن لي بالسياسة، ولكن أبناء قريتي الموظفين من فريق 8 آذار قاطعوني ويرفضون الانتقال معي إلى أماكن عملهم». وفي قب الياس يتعرض العم أبو أحمد الى مقاطعة من أنصار فريق 8 آذار «قال شو.. أنا مع 14 آذار»!
ولكن الأطرف تعمّد سائق سيارة الأجرة محمد ب. عدم نقل أي من فريقي 8 و14 آذار في سيارته، ويقول مبتسماً: «أنا مختص في نقل زبائني العلمانيين»، ولكن حسن الحاج حسن سائق الفان من منطقة رياق يفضل نقل ركاب من أنصار حزب الله فقط، ويقول : «أصبحت أعرف كل زبائني من الركاب، وهم لا يفرضون عليّ إطفاء الراديو الذي لا يتغير عن إذاعة النور».
هذا الوضع الانقسامي، انسحب أيضاً على المقاهي في البقاع. ففي زحلة أصبح للقوى المعارضة مقاهيها الخاصة، وكذا حال فريق الموالاة، وأصبح التقاء أنصار الفريقين في مقهى واحد نادراً جدا. ولكن في شتورا نجحت مقاهي المدينة الثلاثة في البقاء على الحياد، وأصبح مألوفاً جداً مشهد التقاء قوى الموالاة والمعارضة على طاولات متجاورة من دون حوار.