راشيا ــ شريف سريوي
تتميز مدينة راشيا الوادي منذ عشرات السنين بالصناعات الحرفية اليدوية التي انطلقت فيها ببطء ولاقت رواجاً كبيراً في الأسواق المحلية وأسواق الدول العربية المجاورة.
ومن هذه الصناعات صناعة الفضة التي تألقت على يد مؤسسها الأول «عيسى الراسي» الذي عمل من دون كلل مع بداية عام 1850 لترقى هذه الصناعة أعلى مراتب الجودة فكان له ما أراد، إذ سرعان ما انتشرت مصانع الفضة في راشيا وبلغ عددها حوالى أربعين مصنعاً، بعدما تتلمذ على يده عشرات الصناعيين الذين ساهموا في بناء «اقتصاديات» المدينة وفتح ميادين العمل أمام المواطنين الذين أحبوا هذه الحرفة المميزة، إذ وصل عدد العائلات المحلية التي تعتاش من صناعة الفضة نحو 200 عائلة، وكان المصنع الواحد يعمل فيه خمسة عمال أو أكثر.
استمرت صناعة الفضة مزدهرة في راشيا حتى عام 1975 حين دمرت الحرب الداخلية اللبنانية كل شيء تقريباً ومنها هذه الصناعة التي تعرضت بعد فترتها «الذهبية» لنكسات اقتصادية وبشرية فهاجر من هاجر وتوقف العمل الصناعي قسراً ولم يبق اليوم سوى مصنعين، الأول صاحبه هو عصام المقت، والثاني لآل اللحام، وهما ما زالا يحافظان على هذا التراث العريق.
ويقول المقت ان صناعة الفضة في راشيا بحاجة اليوم الى «دعم رسمي وأسواق لبيع ما نصنعه وخاصة بعد توقف بيت المحترف اللبناني الذي لحقه الخراب والدمار خلال الحرب، إذ كانت راشيا تصدر ما يزيد على 70 كلغ».
وأضاف أنهم كانوا يصنعون «المسابح» والأساور والخواتم والعقود الفضية وزينة «للخيول»، وأن «أول من ساهم في ازدهار صناعة الفضة المرحوم عيسى الراسي الذي أضاف على الصناعة حوالى 20 موديلاً وفناً».
وأشار المقت الى ان «حرفيي الفضة في راشيا أضافوا أكثر من مئتي ابتكار وموديل، تضاف إلى أحرف الأسماء والشعارات الحزبية والدينية، وفي استطاعتي ان أنفذ أي شكل يطلب مني وكذلك حسب واقع السوق، إذ ان العديد من المواطنين من مختلف المناطق اللبنانية يقصدون مصنعي لابتياع ما يريدون وخاصة ان صناعة راشيا اشتهرت بعدما شاركنا في المعارض على جميع الأراضي اللبنانية. وإني شاركت في أحد معارض باريس، حيث أُعجب الفرنسيون بالصناعة اللبنانية».
ويطالب المقت بإعادة فتح المحترف اللبناني وتطويره لكي يعود الى سابق عهده لاستيعاب صناعة الفضة التي تنتشر اليوم أكثر فأكثر. وطالب بوقف استيراد الفضة من الخارج وتعزيز الأسواق الداخلية. وقال: «صناعة الفضة تعتمد على الإنسان والعمل اليدوي. نضع كمية من الفضة والنحاس في الفرن المعد لذلك، وتسحب بواسطة آلة للتلميع وترفع حسب الطلب على نوعين: شريط بطول 100 سنتم وبطانة تستخدم لصناعة المسابح والخواتم والحلق»، وتابع: «صناعة الفضة إما ان تكون عيار 925 أو 100% وهي صافية من دون خليط»، وقال: «ان غرام الفضة يباع بدولار وأحياناً بدولار ونصف دولار حسب الطلب، وأونصة الفضة بـ14 دولاراً، أما سابقاً فكانت الأونصة تباع بثلاثة دولارات والغرام المصنوع بـ«60 قرشاً»، ومع ذلك كان العمل ممتازاً والإقبال على الشراء غير محدود. أما اليوم فهناك معاناة كبيرة عند المواطن والصناعيين. فالمواطن اليوم همه كيفية توفير لقمة عيشه لا المفاخرة بالكماليات، لكن مع ذلك نطالب بحماية الصناعة من المنافسة الأجنبية ووقف تدفق الصناعات المستوردة وأحياناً بطرق غير شرعية». وختم: «إذا استمر الوضع على ما هو عليه ولم يعد في استطاعتنا توفير لقمة العيش فسنهجر هذه الصناعة أسوة بغيرنا».