إبراهيم الأمين
لن يكون بمقدور أحد وضع علامات نهائية للاختبارات التي يجريها الآن الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري. وإذا كانت وظيفة الاجتماع، شكلياً، إشاعة مناخ التفاؤل. فإن التدقيق الذي تجريه قوى معنية من الطرفين يترك الباب مفتوحاً أمام قدر كبير من الحذر الذي سيظل قائماً في انتظار تطورات مرتقبة من الخارج أيضاً. ولذلك من الطبيعي أن يتلهى اللبنانيون بمتابعة أخبار مؤتمر بغداد والاتصالات السورية ــ المصرية ــ السعودية المتصلة بالقمة العربية وبالحوار المرتقب بين المجموعة الأوروبية وسوريا، علماً بأن قواعد التفاهم الداخلي ليست متينة، وثمة معارضون بقوة لأي اتفاق، وعلى صلة بمراكز القرار في العالم. ثم إن أي تعديل جوهري على السلوك السعودي لم يلحظه المعنيون رغم اهتمام الرياض القوي بالمحادثات الجارية ورغبتها في تكثيفها وتوسيعها للوصول الى نتائج قبل موعد القمة العربية نهاية هذا الشهر.
وعددت مصادر معنية ما تناوله البحث في الجلستين وما عُرض بين بري والحريري على الشكل الآتي:
1 ــ المحكمة الدولية: كرر النائب سعد الحريري مطالبته رئيس المجلس بالملاحظات الموجودة لدى المعارضة وأحجم الأخير عن عرضها ربطاً بالاتفاق القائم قبلاً، الذي يقول بأن المعارضة لن تقول ما لديها في هذا الشأن إلا داخل اللجنة المفترض تأليفها، وعلى قاعدة أن الأمر لن يقرّ إلا ضمن اتفاق يشمل الحكومة بشكل رئيسي. ولفت بري رئيس كتلة «المستقبل» الى أن المجلس النيابي لن يقرّ أي مشروع قانون لا يوقعه رئيس الجمهورية إميل لحود، وكل شيء غير ذلك ليفعله من يريد وليتحمل المسؤولية عنه.
وبرغم أن الحريري ألحّ بقوة على سماع المقترحات الخاصة بنظام المحكمة، فهو يأخذ في الاعتبار أن التهويل بسلاح الفصل السابع لم يعد ممكناً. ومع ذلك فإن تكتيك فريق 14 آذار ينطلق من أن أي اتفاق لا يناسبهم يمكن تفجيره من خلال المحكمة نفسها، باعتبار أنهم يعتقدون أن ملاحظات المعارضة من شأنها تفريغ المحكمة من مواد تعتبر أساسية في حسابات المشرع الأميركي والدولي.
2 ــ الحكومة: كرر الحريري عدم قدرة فريق 14 آذار على منح المعارضة الثلث زائداً واحداً، لأن في ذلك انتصاراً لها على الصعيدين السياسي والشعبي. وهذا يكسر قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» التي يجب أن تحكم التسوية كما قال. وكرر أمام رئيس المجلس عرضه السابق بتسمية الوزير الحادي عشر من جانب الفريقين، أو من جانب السعودية. وردّ بري بأن التسوية تفرض تنازلات متبادلة وأن قاعدة 19 + 11 تحقق هذه التسوية، وأن المعارضة لا يمكنها أن تقبل بأي حل من دون توفير حقها في الثلث الضامن، كما لا تقبل التراجع عن مطلب تحقيق الانتخابات النيابية المبكرة إلا وفق تسوية من هذا النوع. وانتهت الجولة الثانية من المفاوضات على نتيجة صفر في هذه النقطة.
ويبدو أن الحريري طلب من بري «المساعدة» على إيجاد مخرج لهذه العقدة من النوع الذي «لا يظهر فريقنا مهزوماً»، سواء من خلال العودة الى مبادرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى التي تقترح أن تسمي المعارضة خمسة وزراء ويختار فريق 14 آذار واحداً منهم ليكون الوزير الحادي عشر. ويبدو الحريري على تفاهم مع حليفيه وليد جنبلاط وسمير جعجع على هذه النقطة.
3 ــ البيان الوزاري والنقاط السبع: أكد بري للحريري أن التعديل الحكومي يجب أن يتم ضمن آلية لا تبرز الحاجة الى بيان وزاري جديد لأن فتح النقاش حول بند سلاح المقاومة من شأنه تفجير الوضع مجدداً. ومع أن الحريري قال إنه لا يناقش في سلاح المقاومة الآن، إلا أنه تحدث عن ضرورة إبراز لبنان احترامه الكامل لمندرجات القرار 1701 وحاول استعادة النقاش حول النقاط السبع من زاوية أنها أرضية صالحة للبحث. وهو الأمر الذي حسمه بري من جانبه بالقول إن النقاش الحقيقي ينحصر الآن في ملفَّي المحكمة والحكومة.
4 ــ رئاسة الجمهورية: كرر الحريري قوله إن السلطة تعاني عقبة رئيسية تتمثل في بقاء الرئيس إميل لحود في منصبه، وإن العمل على انتخاب رئيس جديد للبلاد من شأنه إفساح المجال أمام تعزيز التسوية المقبلة. واقترح توافقاً سريعاً على هذا الملف. وهو الأمر الذي رفضه رئيس المجلس من زاوية أن فريق 14 آذار نفسه ليس لديه مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، وبالتالي فإن محاولة رمي الكرة في ملف المعارضة يقصد منها إثارة الخلاف حول ترشيح العماد ميشال عون، والمعارضة ليست بهذا الوارد. وأبلغ بري الحريري أن المعارضة لا تعارض انتخابات رئاسية مبكرة، لكن شرط أن تأتي بعد انتخابات نيابية مبكرة وهو الأمر الذي رفضه الحريري.
5 ــ قانون الانتخابات: توافق بري والحريري على أهمية أن تقرّ الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن قانوناً جديداً للانتخابات النيابية، وأن يتم إدراج هذا الأمر في أي بيان اتفاق. لكن المعضلة جاءت حول أيّ قانون، وخصوصاً أن الحريري الذي كان في ضيافة البطريرك الماروني نصر الله صفير قبل زيارته الأولى لرئيس المجلس سمع منه إشارة قديمة ـــ جديدة إلى أن إقرار قانون عادل للانتخابات النيابية هو مطلب مزمن للمسيحيين في لبنان، وأنه لم يصر إلى تحقيقه مرة واحدة، لا أثناء وجود سوريا في لبنان ولا بعد خروجها، وهو الأمر الذي لا يملك الحريري جواباً كاملاً عنه سوى القول إنه لا يعارض إقرار قانون موحد. لكن يبدو أن التباين بين المعارضة وفريق السلطة حول مشروع القانون المفترض ينطلق من اعتبار مسيحي في الدرجة الأولى، إذ إن المعارضة تتجه الى التوافق على قانون على أساس القضاء أو وفق قاعدة النسبية، وهو الأمر الذي لا يناسب فريق 14 آذار كثيراً باعتبار أنه سيؤدي الى خسارتها الكثير من المقاعد الحالية. ويتردد في أوساط فريق 14 آذار أن الرئيس بري يمكن أن يكون حليفاً موضوعياً في هذه النقطة لأنه لا يؤيد بطبيعته القضاء وهو يرغب في النسبية، علماً بأن قاعدة بري النيابية تقوم أساساً على تحالفه الوثيق مع «حزب الله» وهو يعرف أن الحزب لن يخذله في هذا المجال. لكن المشكلة الكبيرة موجودة لدى جنبلاط وجعجع ومسيحيي السلطة، حيث ينحسر الأول ضمن دائرة صغرى في الشوف، والآخر يُحجز في بشري، بينما لا يجد كثير من الآخرين في جبل لبنان أو الشمال مكاناً يحتفظون فيه بمناصبهم.