عرفات حجازي
ليس هناك ما يفيد حتى الآن عن المراحل التي بلغها الحوار بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، رغم كل المحاولات المضنية التي بذلها ويبذلها الإعلاميون لكشف النقاط التي تقاربت فيها وجهات النظر وتلك التي تباعدت وتحتاج إلى مزيد من النقاش. جل ما أدركه الإعلاميون عن الحريري وأوساط تيار «المستقبل» يؤكد استمرار التشاور بانفتاح وإيجابية ووجود سلة متكاملة للحل، وأن جولة الاستكشاف التي قام بها الرجلان حول كل عناصر الأزمة انتهت إلى وضع خريطة طريق سيبدأ البحث في نقاطها بالتفصيل ابتداءً من الجولة الثالثة التي تبدأ مساء اليوم على الأرجح إذا عاد الحريري من زيارته الخاطفة إلى الإمارات، التي كان قد أبلغ بري أنه يعتزم القيام بها لمدة أربع وعشرين ساعة.
وإذا كان البيان الذي صدر عن اللقاء الثاني تحدث عن تعزيز الإيجابيات، واعداً باستمرار اللقاءات بوتيرة أسرع وصولاً لحل يطمح إليه المتحاورون قبل انعقاد القمة العربية أواخر الشهر الجاري، فإن ما تمكن ملاحظته أن التشاور بين بري والحريري محكوم بالتشاور مع الحلفاء المحليين مثلما هو مفتوح على الحوارات والمواقف الخارجية، إذ لا أحد يمكنه الفصل بين ما يجري في بيروت وما يجري في العراق، حيث الأزمات مترابطة، وكلها تحتاج إلى اتصالات ومشاورات واجتماعات إقليمية ودولية. فمؤتمر بغداد مخصص لأمن العراق وتحقيق الاستقرار السياسي فيه، لكن الوصول إلى هذه الغاية لا بد أن يمر في قضايا المنطقة وأزماتها وكل ما تحتاج إلى حوارات وإلى اتفاقات على الأثمان التي ستدفع وتحديد من يدفع ومن يأخذ، وبهذا المعنى فإن أزمة لبنان والتسوية فيه تقع على هذه الخريطة المعقدة من تشابك المصالح، وبهذا المعنى يمكن فهم التدخلات الخارجية والصراع على النفوذ والحصص في إطار الصدام القائم بين المشروع الأميركي المعدّ الهادف إلى إعادة ترتيبها وفق المصالح الأميركية، ومشروع الممانعة وتقوده إيران وسوريا.
لذلك يستبعد المراقبون رغم كثرة الرهانات على الحوار في عين التينة، أن يقلع قطار التسوية قبل التفاهم الإقليمي ــــــ الدولي على انطلاق القطار العراقي رغم إصرار بري أو محاولة إصراره على التوصل إلى حل قبل القمة العربية التي ستعقد في السعودية نهاية آذار الجاري، وهذا ما ترغب فيه المملكة أيضاً من منطلق حرصها على أن تتوج القمة بتفاهمين كبيرين، التفاهم الفلسطيني ــــــ الفلسطيني والتفاهم اللبناني ــــــ اللبناني مع الدفع باتجاه إغلاق الملف العراقي.
ولأن ما يسعى إليه بري والحريري من خلال تمثيلهما لفريقي الموالاة والمعارضة، أكثر من تسوية انتقالية مؤقتة، بل تصب جهودههما، في إطار حل شامل، وهو ما يعني توسيع لائحة القضايا المطروحة للتفاوض بحيث يصار إلى التفاهم على عقد صفقة سياسية كاملة تتجاوز موضوع الحكومة والثلث الضامن إلى تأليف حكومة جديدة والتفاهم على تمرير الاستحقاق الرئاسي في موعده وإجراء الانتخابات المبكرة وفق قانون متفق عليه، يلفت بري إلى مسألة أساسية هي أن التفاهم على سلة متكاملة للحل لا يعني القدرة على تنفيذها دفعة واحدة، بل إن مسار الحل لا بد أن يبدأ بالتفاهم على الحكومة والمحكمة وفق قاعدة التوازي، وبعدها تكر حبات السبحة، وهذا ما قاربناه في الجلستين الحواريتين ورسمنا الطريق الواضحة للوصول إلى هذه الغايات المرجوة.
وسط هذه الصورة المشجعة وبلوغ الحوار مرحلة الدخول في عمق المخارج التي باتت موضوع تشاور بين حلفاء الطرفين في 14 آذار و8 آذار، ليكونوا على بينة من المداولات الجارية التي تحتاج إلى متابعة وحماية سياسية من الداخل للحفاظ على فسحة الأمل والتفاؤل، جاء الدعم الخارجي ليعزز منسوب التفاؤل فسارعت فرنسا إلى الترحيب باللقاءات الثنائية بين بري والحريري ودعم جهودهما في الوصول إلى تسوية، واتفقت مع دول المجموعة الأوروبية على إرسال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد خافيير سولانا إلى بيروت ودمشق والرياض لحض القوى والأطراف المعنية على الإسراع بإيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة في لبنان، في وقت عبّر فيه الوسيط العربي عمرو موسى عن سعادته بالحوار الجاري بين بري والحريري ووصفه بأنه خطوة متقدمة وشجاعة ستأتي بنتائج مهمة، معرباً عن اعتقاده بتحرك الأمور في لبنان وتظهير ملامح الحل قبل انعقاد القمة العربية، هذا في وقت تتابع فيه السعودية وطهران باهتمام بالغ وحرص شديد المساعي الجارية وتدفع بها إلى الأمام، وصولاً لحل المشكلات والقضايا التي تشكل تبايناً بين اللبنانيين، وخصوصاً أن هناك قاعدة واسعة من التفاهمات تؤسس مرحلة سياسية جديدة تراعي التوازنات التي قام عليها لبنان.
كل هذه الإشارات والأجواء الداخلية والإقليمية المساعدة توحي بأن ساعة الحل بدأت تقترب، وأن الامور تسير بأسرع مما هو متوقع.