strong>عمر نشابة
قدّمت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى الكونغرس يوم الثلاثاء الماضي (6ــ3ــ2007) مجموعة تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم، من بينها تقرير عن لبنان ذكر شوائب لافتة في نظام العدالة المحلّي. نشرت «الأخبار» مضمون التقرير الأميركي في أعداد سابقة كما صدر عن وزارة العدل يوم الجمعة الماضي تعليقاً يستدعى التوقف عنده

بعد نشر التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية عن أوضاع حقوق الإنسان الذي تناول الأوضاع في لبنان، أصدر المكتب الإعلامي لوزارة العدل بياناً «تفادياً لأي استغلال سياسي من أيٍّ كان» بحسب ما جاء فيه. وذكر البيان أن التقرير الأميركي «تناول ما يتصل بالقضاء اللبناني في فقرتين رئيسيتين» وأورد البيان الفقرتين. لكن يلاحظ كلّ من يقرأ التقرير الاميركي أن بيان وزارة العدل تجاهل الجملة التالية التي جاءت مباشرة قبل الفقرة التي تتعلّق باعتقال الضبّاط الأربعة: «واصلت القوى الأمنيّة ممارسة التوقيف والحجز الاعتباطيّين». وبعد هذه الجملة مباشرةً ذكر التقرير «لم يطرأ أي تطور جديد سنة 2005 بتوقيف القادة الأمنيين الأربعة». وهذا ليس مستغرباً، إذ إن اعتقال أي شخص لفترة طويلة من دون محاكمة ومن دون إصدار قرار ظنّي يُعَدّ خرقاً واضحاً لحقوق الإنسان وكرامته.
أما في ما يتعلّق بالفقرة الثانية «الرئيسية» التي ذكرها البيان ونصّها، فيلاحظ قارئ تقرير وزارة الخارجية الأميركية أن المكتب الإعلامي في وزارة العدل تجاهل عنوان الفقرة وهو «الحرمان من محاكمة علنيّة عادلة». وينهي بيان وزارة العدل «الفقرة الثانية» بالجملة التي وردت في التقرير «على عكس السنة السابقة، لم تقدم السلطات على اضطهاد منتقدي النظام القضائي». لكن المستغرب أن وزارة العدل تجاهلت فقرات أخرى تبعت «الفقرة الثانية» لعدم اعتبارها «رئيسية» تناولت إجراءات المحاكمة والإجراءات والتدابير العدليّة المدنيّة والمجلس العدلي وتعيين القضاة. وذكر التقرير الاميركي حرفياً: «تُعيّن وزارة العدل القضاة الآخرين كافّة (غير قضاة المجلس العدلي)، مع الأخذ بعين الاعتبار الانتماء الطائفي للقاضي المرشّح». وهذا كلام يعني وزارة العدل مباشرةً، ومع ذلك اختار المكتب الإعلامي للوزارة تجاهله. كما تجاهل بيان وزارة العدل فقرة عنوانها «حالة السجون ومراكز الاعتقال» جاء فيها: «لم تنظر الحكومة إلى إصلاح السجون على أنّه أولويّة قصوى». وهذا أيضاً مستغرب لأن المرسوم رقم 17315 (28/8/1964) أحدث إدارة دعيت إدارة السجون ربطت مباشرة بوزير العدل. ثم تبعته المادة 29 من المرسوم الاشتراعي الرقم 151 تاريخ 16/9/1983 المعدل والمتعلق بتنظيم وزارة العدل، والتي نصت على أن مديرية السجون في وزارة العدل تعنى بشؤون السجناء ورعايتهم وتأهيلهم وتطبيق أنظمة السجون وتحديد مهامها وصلاحياتها وملاك الموظفين فيها.
«يَستنتج» بيان وزارة العدل من الفقرتين الآتي: «أ ــــــ بالنسبة إلى توقيف الضباط الأربعة: لقد تمّ هذا التوقيف بناء على اعتبار هؤلاء الضباط مشتبهاً بهم في اغتيال الرئيس الحريري من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة وبقرار من قاضي التحقيق اللبناني، وهو قرار لا يحق للسلطة السياسية مناقشته أيّاً كان مستواها عملاً بمبدأ فصل السلطات». لا يوجد نصّ قانوني يحرم «السلطة السياسية» أو أي سلطة أخرى أو حتى أي مواطن عادي حقّ النقاش.
والتقرير الأميركي يذكر في الفقرة التي سبقت «الفقرة الأولى» النصّ التالي الذي تجاهلته وزارة العدل أيضاً في بيانها: «يمنح القانون الحق بمحام وبمعاينة طبّية وباللجوء إلى مدّع عام ضمن 48 ساعة من التوقيف. إن بقي موقوف قيد الاحتجاز لأكثر من 48 ساعة بدون تهم رسميّة، يُعتبر التوقيف عشوائيّاً ويجب إطلاق الموقوف. وفي هذه الحالات، تمكن ملاحقة المسؤولين عن التوقيف المطوّل بتهمة الحرمان من الحرّية الشخصيّة. عند القبض على مشتبه به في مطاردة مستمرّة يجب تحويله إلى قاضي استجواب وهو يقرّر إذا كان يجب إصدار لائحة اتهاميّة أو أمر بإطلاق سراح المتّهم».
الاستنتاج الثاني في بيان الوزارة «بالنسبة إلى استمرار ممارسة الضغوط السياسية على الجسم القضائي: يُذكر أنه بتاريخ 12 / 6/ 2006 تم تعيين مجلس قضاء أعلى جديد مؤلف من عشرة قضاة، وعملاً بالقانون عمد المجلس إلى إجراء تشكيلات ومناقلات قضائية شاملة مبنية على الجدارة والكفاءة واتخذ قراره بالإجماع وباستقلالية تامة تكفلها شخصية رئيسه وأعضائه وما يحظون به من احترام وتقدير يجمع عليهما اللبنانيون.
وقّع وزير العدل ورئيس الحكومة مرسوم التشكيلات كما وردا من مجلس القضاء الأعلى عملاً بأحكام القانون الذي ينص على أن قرار المجلس هو نافذٌ ونهائي لدى اتخاذه بأكثرية سبعة أعضاء من أصل عشرة، فكم بالأحرى في حال اتخاذ هذا القرار بالإجماع كما اتخذ، ما يعني أن صلاحية السلطات الدستورية المختصة بإصدار المرسوم هي صلاحية مقيّدة، وأن عدم احترام هذا المبدأ هو ذروة التدخّل السياسي في شؤون القضاء وخرق موصوف لمبدأ فصل السلطات الذي يقوم عليه نظامنا البرلماني. 4 ـ إن عدم إصدار التشكيلات القضائية كما أقرّها مجلس القضاء الأعلى أدّى إلى تجميد شبه كامل للجسم القضائي وأفسح المجال لاستمرار الأوضاع التي كان يعانيها القضاء لسنوات سبقت التي شكا منها تقرير لجنة حقوق الإنسان المذكور آنفاً، فتعطّل بالتالي الإصلاح الذي باشره مجلس القضاء الأعلى، ما يؤكّد أن الهدف من عدم إصدار التشكيلات القضائية هو هذا التعطيل بالذات واستمرار الأوضاع السابقة».