فداء عيتاني
«من أين تأتون بهذا التفاؤل؟» يسأل أحد القادة في حزب الله، وهو المتابع للعديد من الملفات الداخلية والخاصة في العلاقات بين الأطراف. «التفاؤل هو في حقيقته كلام جرائد»، يقول، رغم أن الصحف لا تعكس إلا ما يحصل من اجتماعات أو لقاءات بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري. ويضيف المصدر: «نحن لا نعترض على هذه الموجة التفاؤلية حتى لا نظهر كمن يعطّل، وقوى 14 آذار تنتظر منّا أن نعلن الحقائق لتتهمنا بالسلبية».
«لن تعطينا قوى 14 آذار في الحكومة ما نطلب، ولن يوافقوا على 19 + 11» يقول المصدر قبل أن يتابع أن «آخر اقتراح لمن يطالب بالسيادة والاستقلال كان أن يسمي الملك السعودي الوزير الحادي عشر، على أن لا تعترض قوى 14 آذار إذا تمت تسمية وزير معارض، ولكن في المبدأ، فلن توافق هذه القوى على تسوية قبل أن تحصل على ما تريده هي، وإذا تحققت مطالبهم فما الذي سيضطرهم إلى التفاوض معنا؟». ولا يرى ما يدفعهم اليوم إلى الحوار مع المعارضة غير محاولتهم انتزاع موافقة المعارضة على المحكمة الدولية دون أن تسمع قوى الأكثرية الملاحظات التي أعدّها حزب الله على مشروعها: «يطالبون بإقرارها فوراً قبل تأليف الحكومة، وإذا أقرّت فلن يبقى ما يدفعهم إلى التفاوض، وخاصة أنهم يراهنون على أن نهاية العهد ستأتي برئيس مختلف للبلاد».
ويستطرد أن الكلام عن التفاؤل الذي تبديه الأكثرية يرتبط بسياق طويل لا يبدأ من لبنان ولا ينتهي فيه، بل من مجموعة أزمات الولايات المتحدة وإدارتها، حيث بدأت هذه الإدارة في تطبيق بنود تقرير بيكر ـــ هاملتون من دون الاعتراف بذلك، وهي تحاول حل الأزمات أو على الأقل تجميدها، واتفاق مكة حول فلسطين ليس بعيداً عن محاولة تأجيل الأزمات، وما يحصل في مؤتمر بغداد جزء من الإطار ذاته.
أما الموضوع اللبناني فمؤجّل، وفي انتظار دراسة الأميركيين لمدى جدوى التوصّل إلى حل أو البقاء في حال المراوحة، فإن بعض الإيجابية في الملف اللبناني تسهّل للأميركيين المفاوضين في العراق تجنّب الإحراجات مع الجانبين السوري والإيراني، حيث لن يكون ثمّة ثمن يقدّم لسوريا أو لإيران على الصعيد اللبناني، وسيعرف لبنان هدنة تحت عنوان التفاؤل، مساحتها الزمنية المفاوضات في بغداد لدول الجوار.
الأمر نفسه حصل في الملف الفلسطيني، رغم أن خالد مشعل حرص لدى زيارته لطهران بعد اتفاق مكة على طمأنة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى أن لا شيء تغيّر في موقف حماس بعد تفاهمها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورغم هذه الخطوة فإن الإدارة الأميركية ليست بعيدة عن التسوية الفلسطينية، رغم موقفها الإعلامي.
والنتيجة هي الوصول إلى مؤتمر بغداد دون تقديم أثمان تُذْكر إلى الجانبين الإيراني والسوري في موضوعات غير عراقية، مع الخروج من المشكلة العراقية بأقل كلفة ممكنة. وفي لبنان «تعرف الأكثرية هذه الصورة جيداً وهي تفاوض لا من منطلق تقديم تنازلات متبادلة سعياً إلى حلول ضمن سلّة متكاملة، من المحكمة ذات الطابع الدولي إلى حكومة الوحدة التي توافق المعارضة على تكليف أحد أركان قوى 14 آذار ترؤسها، وصولاً إلى قانون الانتخابات والانتخابات المبكرة واستحقاق رئاسة الجمهورية، بل تسعى الأكثرية لإضاعة الوقت من دون تقديم تنازلات، وإذا أشارت المعارضة إلى ذلك فهي ستتهم بالعرقلة، بينما الناس متعطّشون إلى بارقة أمل»، كما يقول المصدر.
أما القوى التي تتهمها المعارضة بالتعطيل فهي «قسم يبحث عن ضمانات لوجوده، ولن يحصل على ضمانات إلا من الولايات المتحدة، وخاصة أن وجوده بات يرتبط عضوياً ومادياً بزوال النظام السوري، وهو ما لا يبدو في الأفق، وبالتالي فإن رحيله من لبنان بات الأكثر احتمالاً، والقسم الآخر من المعطّلين يرنو نحو رئاسة الجمهورية، ولديه اقتناع تام بإمكان وصوله بشخصه أو بمن يمثله إلى الرئاسة». علماً بأن أطرافاً في الأكثرية بدأوا يظهرون «حسن سلوك» وتلطيفاً في النبرة، وصولاً إلى حدود الصمت العاقل، طمعاً بحظوظ أوفر في المعركة.
ولا رهانات للمعارضة في هذه الأجواء على صعيد المواقف من شخصيات مارونية قد تؤدي إلى انفراجات سياسية، كما إنه ليس في نيّة الأكثرية تقديم تنازلات للتسوية. ويتذكر المراقبون الحديث الذي دار بين الرئيس رفيق الحريري والأمين العام لحزب الله، حيث كانت خلاصة أحد الحوارات أن «توافقنا
(السنّة والشيعة) يعني توافقاً وطنياً، واختلافنا يعني شللاً في البلاد (إن لم يكن أكثر)». وتقول شخصية من المعارضة إن هذه المعادلة هي التي تحكم البلاد اليوم أكثر من أي يوم مضى.