strong> غسان سعود
حين يتحدث العونيون عن سيِّد بكركي، يستعملون مفردات جديدة ولهجة مفعمة بالحماسة. فالعلاقة بين التيار الوطني الحر والبطريرك الماروني نصر الله صفير بلغت مستوى من الإيجابية يُمَكِّن العونيين من الجهر بانسجامهم مع بكركي واطمئنانهم إلى بياناتها الشهرية.
يقول العونيون إنهم يبنون اليوم أساساً صلباً لما يتشاركون مع بكركي في التوجس منه. ويشرحون التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي لم يعيروها اهتماماً عشية الانتخابات النيابية الأخيرة وبعدها، يوم اعتبر صفير أن للمسيحيين أخيراً زعيماً (في إشارة إلى العماد ميشال عون)، ثم عاد لينثر ضبابية مربكة حول موقفه من عون، أفسحت لتسريبات كثيرة دعمت مواقف المعادين للتيار الوطني وأخصامه، وأظهرت التيار في موقع المخالف لإرادة سيد الصرح.
ويتقدم التيار على خصومه في علاقته ببكركي عبر عوامل عدة، أولها وجود نواب في «تكتل التغيير والإصلاح» على علاقة طيبة بالبطريرك منذ سنوات مثل فريد الخازن، نعمة الله أبي نصر، وليد خوري، وسليم سلهب. وهؤلاء موضع ثقة عند صفير وكلامهم يؤخذ في الاعتبار.
ثانياً، وجود مروحة واسعة من المثقفين المسيحيين والكتّاب، والشخصيات القواتية السابقة التي تزور الصرح بانتظام وتبلغ صفير توافقها مع كثير من النقاط التي يتبناها التيار، وأهمها ملف التوازن، ومقاومة «السنيّة السياسية».
ثالثاً، الملفات المهمة والموثّقة التي درج النائب إبراهيم كنعان والمسؤول في التيار آلان عون منذ قرابة ستة أشهر على تقديمها للبطريرك، الذي يُنقل عنه إعجابه بشخصية الرجلين وارتياحه إليهما. يضاف إلى هذه حرص تكتل التغيير على تبنّي مفردات «بكركيوية»، والتعبير عن هواجس الصرح بلغة عملية «بلا لف ولا دوران».
وإن السلوك الذي ينتهجه مسيحيو الأكثرية وخطابهم، كما يقول أحد زوار الصرح الدوريين، لا يشجعان غبطته على دعمهم، ولو معنوياً. ولا يخفي المصدر استغراب البطريرك لرد الفعل السلبي والمُقنَّع تجاه مبادرته الأخيرة وميثاق الشرف الذي طالب الأفرقاء المسيحيين بتوقيعه. فاستجاب البعض وتهرّب البعض الآخر مثبتاً لأوساط بكركي نقاطاً كانت محل ريبة وقلق منذ حرب 1990 بين القوات اللبنانية والجيش.
ويرى عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب عباس هاشم، الذي يزور الصرح أسبوعياً، أن علاقة التكتل بالبطريرك كانت دوماً طيبة، حتى لو لم يشعر الرأي العام بهذا الأمر. والتكتل يركز دوماً على كل ما يطلق أو يُنبأ به من بكركي. ويشدد العماد ميشال عون في اجتماعات التكتل على الاستفادة من ذاكرة صفير، في محاولة لالتزام سقف بكركي، واعتماد استراتيجيا تقوم على أن سيد بكركي يرسم «المبدئية المطلقة» والتكتل يلتزم التكتيك السياسي. ويؤكد هاشم ان التكتل هو الأكثر التزاماً لما يقوله البطريرك.
ويسجل نائب جبيل في سياق انسجام الموقف بين بكركي والتكتل محطات عديدة، أولها بين عامي 1990 و2005، حين كان صفير معياراً للاعتراض على الممارسات السلطوية ــ السورية، وعون معياراً للرفض الحقيقي لعملية التسلّط. ثانيها تبنّي عون في خطاب عودته يوم 7 أيار 2005 الأساس الأخلاقي لبكركي الذي يقوم على مقاربة الحالة المسيحية ضمن واقع الحالة الوطنية. ثالثها، تكرار العبارات نفسها في البرنامج السياسي للتيار وما كتبه المطارنة الموارنة في المجمع المسكوني الأخير. وورود العبارات «المسكونية» نفسها في التفاهم بين التيار وحزب الله. ورابعها، جهر التيار بتأييده ثوابت بكركي التي أعلنت أخيراً من دون الدخول في التفاصيل.
ويجزم العونيون بأن بكركي تشاركهم القلق في موضوع «التوازن الاسلامي ــ المسيحي»، وضرورة مقاربة هذا الملف بأسرع وقت ممكن. ويقول آلان عون إن ثمة قراءة مشتركة بطريركية ــ عونية للواقع السياسي الحالي، وللنظرة إلى المستقبل. ويؤكد أن خيار بكركي هو الدولة، لا الميليشيات ولا هذا الفريق السياسي ولا ذاك. وعلى رغم اختلاف التيار مع سيد الصرح في تقدير بعض الخطوات فإن هذا لا يعني التشكيك في المطالب الأساسية المتفق عليها، وخصوصاً خيار الدولة، وإعادة الدور المسيحي إلى المؤسسات. ويجزم المسؤول العوني بأن بكركي قالت ما كان التيار يتردد في إعلانه، فأعلنت أن قانون الانتخابات يفترض أن يكون في قلب التسوية، وأن إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع يهدد الأمن في لبنان، وهذان سيكونان عنوانين عونيين للمرحلة المقبلة، تماماً كما كان رفض إجراء الانتخابات وفقاً لقانون غازي كنعان موقفاً عونياً ــ بطريركياً، وكما كان «مطلب إعادة التوازن الاسلامي ــ المسيحي في إدارات الدولة ومؤسساتها» هاجساً عونياً ــ بطريركياً منذ سنتين حتى اليوم.
وتختم القراءة العونية للعلاقة ببكركي بتوكيد أن ما تضمنه النداء الماروني الأخير يشكل ورقة في روزنامة من الاتفاقات المشتركة بين التكتل والمطارنة الموارنة الذين باتوا يعلمون من يبقى على كلمته ويمشي معهم حتى النهاية، ومن يخون عند «أول مفرق» سعياً إلى مقعد نيابي أو وزاري أو وعد بكرسي رئاسي.