نادر فوز
هدّد رجل الأعمال مرعي أبو مرعي يوم إطلاق تجمّع 11 آذار بالنزول إلى الشارع إذا لم تتوقف الأزمة الحالية التي تنهك الوضع الاقتصادي ونفّذ أمس “التجمّع” تهديده، فأحيا في وسط بيروت “كرنفالاً” قدّم فيه الطعام للمشاركين

“لعيونك جينا أبو مرعي، إنت بتحمينا أبو مرعي، يا أولاد المينا أبو مرعي”، بهذه الهتافات استقبل عدد من الشباب المصطحَبين بالدربكة رجل الأعمال مرعي أبو مرعي، رئيس لجنة المتابعة لتجمع 11 آذار. خرج أبو مرعي من مكتب شركته في شارع المعرض محاطاً بحرّاسه الشخصيين ليطّلع على سير “الكرنفال”، فقام بجولات تفقدية قبل أن يتوجه إلى منصة خاصة ليلقي كلمة التجمع. لم تؤثر هذه الجولة على أجواء التدافع والصراخ على “ستاندات” المأكولات، فاستمرت السندويشات بالتطاير وبقيت الأيادي مرفوعةً لالتقاطها. وبينما كان أبو مرعي يجول بين المشاركين، استمر أحمد، ابن التسع سنوات، بعمله دون الاكتراث بما يدور من حوله؛ يفرغ عبوات التنك ويجمعها في أكياس ويضعها جانباً، ليقوم ببيعها لاحقاً. أتى أحمد من طرابلس مع ذويه للمشاركة بهذا الاحتفال، لكن بدل أن يستمتع بهذه الأجواء الاحتفالية قرر العمل علّه يستفيد من 11 آذار بشكل مضاعف، بعد أنّ وفّر وجبة طعام.
يستقبل فوج الموسيقى في كشافة الفاروق، من مفوضية الجنوب، آلاف المتقاطرين لكرنفال 11 آذار. عشرات “أسياخ” الشاورما تنتظر عند الأرصفة تحميلها وتقديمها للمشاركين. وجوه صامتة وعيون ذابلة ملتحفة قبعات “التجمع” وقمصانه تنتظر من يقدم لها الطعام. سندويشات شاورما تطير في الهواء لتلقى يداً تلتهمها، بثّت أغانٍ وأناشيد خاصة بـ“11 آذار”، وكلمات ألقاها الفنان إيلي أيوب دعت إلى وقف “التقاتل الداخلي” ونبذ الطائفية؛ هذه هي المشاهد الأولية لاحتفال تجمع 11 آذار بعنوان “نتغدى ونصرخ ممنوع لبنان يموت”.
أفلحت الإعلانات التي علّقت في شوارع العاصمة والدعوات التي بثّتها بعض التلفزيونات والإذاعات، في استقطاب أعداد كثيفة من المواطنين للاحتفال؛ لكن بدا أنّ معظم المشاركين لم يسمعوا الدعوة كاملةً، إذ لم يصرخ أحد “ممنوع لبنان يموت” بل صرخوا جميعاً لتسلم “وجباتهم”. و“جميعهم” ليسوا من المستوى الاجتماعي نفسه، فقد تراوحت وجبات الطعام بين “المواطن العادي” الذي احتلّ الرصيف، والمواطن “الإكسترا” الذي جلس في المطاعم “معززاً مكرّماً”.
أثار هذا التمييز الطبقي حفيظة العديد منهم، لكن أحد المنظمين شرح أنه جرى توزيع 2200 قسيمة للدخول إلى المطاعم فيما تمّ توزيع الشاورما على الباقين. لم يجب عن المعايير التي حددت لانتقاء هذا العدد، فاكتفى بالقول “الجميع أكلوا وهذا المهم”. أشار هذا المنظم إلى أنّ عدد الذين دخلوا المطاعم كان 2200، بينما حدد وليد عربيد، المنسق العام للتجمع، بأنّ القسائم التي وزّعت لم تتجاوز 700 قسيمة.
من المشاركين من قال “جئنا بدعوة من أحد المسؤولين للغداء”، ومنهم من رأى أنّه “مع أن يحب اللبنانيون بعضهم بعضاً”، لكن الإجابة الأغرب كانت “نحن مع 11 آذار، وألله يحفظ برّي ونصر الله”.
“نسيب اللبناني” حضر أيضاً من البقاع حاملاً شعاره المعتاد “مسيرتي من أجلك يا وطني” مزيّناً بالقرآن والإنجيل، إلا أنه أضاف علم 11 آذار إلى لافتته. اعتاد نسيب أن يشارك في كل التظاهرات بدءاً من 14 آذار مروراً باعتصام المعارضة الأخير في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، لأن “على اللبنانيين أن يعودوا إلى قرآنهم وإنجيلهم من أجل لبنان ووحدته”. يقول نسيب إنّه مع اندلاع الحرب الأهلية نظّم أيضاً مسيرات في المناطق اللبنانية رفضاً للحرب، لكن الآذان لم تصغ حينها مثلما هي الحال اليوم “إذ يُرفع العلم اللبناني لكن دون العمل لمصلحة هذا الوطن”.
“يا بو مرعي، إيه مين؟ أنا سلمى يا أبو مرعي”، لكن سلمى غابت هذه المرة وحلّ مكانها عمر لبابيدي الذي اعتاد أن يستغلّ هذه المناسبات ليلقي الضوء على أملاكه التي وضعت “سوليدير” يدها عليها. أبعد حراس أبو مرعي الشخصيون عمر عن الموكب الخاص بهم، لكن الأخير استمر في إطلاق صرخاته “هذا مال مسروق، أخرجونا وأتوا بغيرنا”.
في الكلمة التي ألقاها أمام الحشد، رأى أبو مرعي أنّ احتفال أمس هو تعبير عن “صرخة رفض حال التشنج السياسي الموجودة في البلد”، إذ تعبّر عن كل مستثمر وصاحب مؤسسة اقفل مؤسسته، وكل مواطن فقد فرصة عمل، وكل مغترب يريد أن يعود الى وطنه”. وأعاد التأكيد على بُعد تجمع 11 آذار عن السياسة وتشبّثه بالحوار، فقال “نحن لسنا هواة معارضة، ولا هواة سياسة، بل نحن طلاب حوار وتلاق”.
وفي نهاية كلمته، رأى أبو مرعي أنّ لبنان “نموذج فريد من نوعه في العالم، لا يُحكم إلا بالتوافق السياسي”.