strong>الشركات الأمنية اللبنانية الخاصة: أصحابها يتجنّبون الكلام الإعلامي، موظفوها بسطاء لا يعلمون شيئاًً أكثر من الواجب المطلوب القيام به، والمؤسسات الأمنية الرسمية لا تكاد تعرف عنها شيئاً. وهي لمن يقف خلف أصحابها استثمار سياسي، اقتصادي، وأمني تضخمت أرباحه إثر استمرار فيلم رعب المتفجرات الطويل
لم يستطع خالد أن يضبط فرحته، خرج إلى سطح المنزل وبدأ بإطلاق الرصاص ابتهاجاً. لقد قُبل طلبه العمل في إحدى الشركات الأمنية الخاصة. كان خالد يردد اسم أحد الزعماء السياسيين، وأمه تسنده بـ«زلغوطة» عكّارية.
لن يتعدى راتب خالد 400 دولار، وسيقضي يومياً قرابة أربع ساعات في التنقل بين عكار وبيروت، تضاف إلى دوام الثماني ساعات يومياً. لكنه لا يجد مشكلة، وخصوصاً أن الوظيفة الجديدة أفضل الموجود. ويسارع الشاب العشريني إلى شكر ربه لأنه وجد مكاناً في بيروت لا في العراق التي قصدها العشرات من زملائه خلال السنوات الماضية..
في برقايل، إحدى أكبر البلدات العكاريّة، يُجمع عدد من الشبان على أن قبولهم في إحدى الشركات الأمنية، وخصوصاً الشركة التابعة لتيار سياسي يناصرونه، أشبه بـ«فرصة العمر». وهناك مجموعتان من الساعين لإيجاد مكان لهم في هذه الشركات. الأولى تضم عسكريين متقاعدين يقولون إن فرصة قبولهم أكبر، نظراً إلى خبرتهم القتالية. والثانية تتألف من شبان عاطلين من العمل، لا يحملون شهادات علميّة. ويُُجمع الطرفان على أن كفاءتهم وحدها لا تكفي، ولا بد من «سند» سياسي يوفّر لهم مكاناً في هذه الشركات، ما يشير بوضوح إلى الهوية السياسية للشركات الأمنية، بحيث بات لكل حزب أو تيار سياسي، شركة أمنية توفر العناصر لحماية مؤسسات الفريق الحزبي والشركات الاقتصادية المقربة.
وكانت الإطلالة الأولى لهذه الشركات، عبر «الشركة اللبنانية ــ السويسرية للأمن والمراقبة» التي تأسست عام 1986. ويقول وزير الداخلية الأسبق بشارة مرهج إن الشركات الأمنية بدأت بالظهور في أوائل التسعينيات، بحجة نقل الأموال. وهي تستحصل على ترخيص من وزير الداخليّة بناءً على اقتراح من المدير العام لقوى الأمن الداخلي، فيما يحتاج عناصرها «لحمل السلاح» إلى ترخيص خاص من وزارة الدفاع. ويفخر مرهج بعدم إعطائه أي ترخيص خلال مدة تولّيه المسؤولية في الداخلية.
وفي نهاية عام 2005، لم يكن يتجاوز عدد هذه الشركات 18، فيما بلغ عددها اليوم قرابة 33. لا يقل عديد 20 منها عن ألف عنصر، بحسب مصادر في وزارة الداخلية، ما يعني أن هناك قرابة 25 ألف عنصر أمني خاص، وهو عدد عناصر قوى الأمن الداخلي نفسه تقريباً. وتوفر هذه الشركات عدة خدمات أمنية، أبرزها الحراسة الشخصية، سترات الوقاية من الرصاص، توفير آلات لرصد المواد المتفجرة، نقل المال النقدي وحماية المؤسسات على اختلاف أنواعها. وتجدر الإشارة إلى عدم وجود قانون ضريبي يقتطع من الأرباح الكبيرة التي تحققها هذه الشركات منذ سنتين.
في الشكل، غالبية رؤساء هذه الشركات هم ضباط متقاعدون (21 من أصل 33) يتمتع معظمهم بمروحة واسعة من العلاقات المدنيّة والأمنيّة، تمكّنهم من توفير الزبائن وفريق العمل المنضبط. ويؤكد أحد العناصر الأمنية الخاصة أنه خدم مع العميد المتقاعد المسؤول عن شركته أكثر من 15 سنة في المؤسسة العسكريّة. ويوضح أن تفضيل متقاعدي الجيش للعمل في هذه الشركات يهدف إلى التوفير في ما يتعلق بتدريب الكوادر، إضافة إلى تمتع العسكريين بانضباطية عالية والتزام للعمل. ويتقاضى هؤلاء قرابة أربعمئة دولار لقاء ثماني ساعات عمل، مدى ستة أيام في الأسبوع. ومعظمهم يعمل دوامين. ويتمتّع غير المضمونين بالضمان الصحي.
وفي المقابل، يقول رئيس إحدى الشركات المشهورة بكلفتها العالية وبمستوى تقديماتها المتقدم لعناصرها، إنه يفضّل توظيف الشباب الجامعيين والأنيقين، وخصوصاً أن حارس الأمن يعتبر وجه المؤسسة التي يقوم بحراستها، وهو الذي يستقبل الزائرين، وبالتالي يفترض فيه أن يجيد التحدث باللغات العربية، الفرنسية، والانكليزية، وأن يكون قادراً على التدخل السريع عند حصول أي مشكلة في مكان العمل. وتفرض وزارة الداخلية على الشركات الأمنية أن تقدم جدولاً بأسماء العاملين لديها، مرفقاً بسجلاتهم العدلية التي تثبت عدم الحكم عليهم.
يكشف الازدهار المطرد لهذه الشركات بحسب مرهج عن الخلل في وضع الدولة الأمني. والشائعات عن تجاوز هذه الشركات التزامها حماية الأشخاص والمؤسسات الخاصة ضمن المقتضيات القانونية، تجعلها موضع تساؤل. ويحتّم تزايدها على وزارة الداخلية أن تدقق في انتماء العاملين فيها حتى لا تتحول إلى غطاء لعمل ميليشياوي، فيما يبدو مستغرباً عدم وجود قانون ينظم أداء هذه الشركات، ويحدد مهماتها، على رغم ازدهارها الكبير. ويؤكد أحد ضباط استخبارات الجيش أن ثمة شركتين عمدتا خلال الشهور الماضية إلى استبدال بطاقميهما القديمين مجموعة من الحزبيين، معظمهم من قدامى المقاتلين. لكن رصد الاستخبارات العسكرية لهاتين الشركتين لم يُسجل بعد ما يثير الريبة.
وعلى رغم أن عديد أفراد الشركات الأمنية الخاصة يفوق عديد قوى الأمن الداخلي، لا يجد أحد أعضاء لجنة الدفاع النيابية ما يستحق الإثارة أو بحث هذا الملف، وخصوصاً أن القانون اللبناني، بحسب النائب البيروتي، «لا يمنع المواطن من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة حمايته، والترخيص المُعطى للشركات يفرض عليها ألا تشكل رديفاً للأجهزة الأمنية الحكومية وألا تستقوي عليها».
التجهيزات
تعتمد شركات الأمن الخاص اللبنانية على أجهزة تكنولوجية متعددة، من كاميرات مراقبة، وأجهزة اتصالات وأجهزة متطورة للكشف عن المتفجرات. وتستخدم معظم الشركات تقنية الـ«جي بي إس». وتفتش السيارات بآلة تشبه المسدس تتصل بهوائي، ويبلغ سعرها 24 ألف دولار (صناعة إنكليزية). ولتفتيش الأشخاص والحقائب، تستخدم آلة Scanner. وتضاعف خلال الشهور القليلة الماضية طلب المصارف والسفارات والمجمعات التجارية، بحسب إحدى الشركات، بنسبة 100% على الحاجز الإلكتروني الذي يوضع عند البوابات. وبدأت الشركات اللبنانية، أخيراً، باستيراد جهاز يتفاعل مع أكثر من ثلاثين نوعاً من المتفجرات، ويُستعمل أيضاً لفحص الطرود والحقائب.
وينتشر بشكل كبير بين عناصر هذه الشركات جهاز صغير لكشف المتفجرات، يُمكن وضعه في الجيب نظراً إلى خفة وزنه. ويتعرف هذا الجهاز بسرعة خيالية بمعظم المواد المتفجرة. من ناحية أخرى يكشف أحد المسؤولين عن الشركات الأمنية، أن لبنان يحتل المرتبة الأولى عربياً في تصفيح السيارات. وتستغرق عملية تصفيح سيارة واحدة عشرين يوماً على الأقل بكلفة تراوح بين مئة وأربعمئة ألف دولار. فيما تصل كلفة إيجار السيارة المصفحة إلى ثلاثة آلاف دولار لليوم الواحد.
(الأخبار)