strong> راجانا حميّة
لن تصل الجامعة اللبنانيّة إلى الحكم الذاتي الذي تدعوها إليه البعثة الثقافية في السفارة الفرنسيّة، ربّما لأنّها حتّى الآن لم تخرج من منطق المحاصصة والطائفيّة السياسيّة والاستعانة بـ«الخارج» لتطبيق القرارات. كما انّها لن تصل إلى مستوى التجربة الأوروبيّة، رغم محاولاتها، لأسباب كثيرة تتعلّق بضعف الموازنة وسوء الإدارة والتخطيط والبيروقراطيّة الإداريّة والحكم الذاتي المغتصب.
وفيما تتخبّط جامعة «الدولة» في مشاكل كثيرة تعرقل مسيرتها نحو التطوّر الأكاديمي، تحاول الجامعات اللبنانيّة الخاصّة تعويض الخلل في النظام التعليمي، معتمدة على علاقاتها الخارجيّة مع مثيلاتها الأوروبيّة، من أجل الوصول إلى استراتيجيا تحاكي المعايير العالميّة.
وفي هذا الإطار، نظّمت البعثة الأوروبيّة الثقافيّة في السفارة الفرنسيّة، بالتعاون مع المعهد العالي للأعمال «ESA»، مؤتمرها الرابع في لبنان حول إدراج جامعات لبنان ضمن المساحة الأوروبيّة التربويّة تحت عنوان «فرنسا ولبنان في المساحة الأوروبية للتعليم العالي، استراتيجيا الجامعات وإدارتها».
وحاول الطرف اللبناني من خلال ورش العمل الخمس الاطّلاع على معايير الوصول إلى الإدارة الرشيدة في ميدان التعليم العالي، فتركّزت الجلسة الأولى التي تناولت موضوع الحكم الذاتي في الجامعات وتفعيل الوسائل التعليمية العصرية، على عرض التجربة الفرنسيّة للاستعانة بها في لبنان، إذ دعا رئيس لجنة العلاقات الدولية والأوروبيّة في مؤتمر رؤساء الجامعات أوليفييه أودوود إلى تبني مثال «الجامعة الأوروبيّة» التي تعتمد في التعليم على مبادئ تفعيل المنطق والفكر والذكاء وتعزيز الحكم الذاتي واحترام التنوع الثقافي والاجتماعي داخل الجامعات.
وفيما أشار المدير العام للتعليم العالي في وزارة التربية والتعليم العالي الدكتور أحمد الجمّال إلى تنوّع النموذج التعليمي اللبناني، أكد «أن هذا النظام يواجه أخطاراً جمّة تحول دون محاكاة المعايير العالمية، لعل أهمّها اعتماد النظام اللبناني التربوي على الأعراف في ظل وجود قوانين غير قابلة للتطبيق بسبب عدم التصديق عليها من مجلس الوزراء، أو لاستسهال التعامل مع العرف».
وتناولت الجلسة الثانية عرضاً مفصلاً لوجهات نظر رؤساء الجامعات اللبنانية والفرنسيّة وتصوّراتهم للمراحل المقبلة، فأشار رئيس جامعة الروح القدس ـــ الكسليك الأب أنطوان الأحمر إلى التغييرات الأخيرة التي قامت بها إدارة الجامعة، ومنها على سبيل المثال الاستعانة بخبرات الأساتذة والطلّاب في استصدار القرارات، إضافة إلى تدريب الطاقم الإداري على استخدام المعلوماتية الإدارية.
وعرض رئيس جامعة القدّيس يوسف الأب رينيه شاموسي للخطوات الثلاث الجديدة التي يتم العمل عليها في فروع اليسوعية، ومنها تفعيل البحوث العلمية للطلّاب وتدريب الأساتذة والطلّاب على الإدارة الذاتية، إضافة إلى تشجيع التبادل بين الجامعة والمؤسسات التربوية الخارجيّة. وقد وقّعت الجامعة أخيراً اتفاق شراكة للتعاون الأكاديمي مع المركز النموذجي للأبحاث التطبيقية والتدريب في الإمارات، ويتضمّن إنشاء ثلاثة معاهد في الإمارات في مجالات الترجمة وتدريب أساتذة متخصصين في علاج الأطفال ذوي الحاجات الخاصّة، ورياضيات التأمين.
وعرضت مسؤولة العلاقات الخارجية في الجامعة اللبنانية برناديت أبي صالح للمشاكل التي تحول دون اعتماد المعايير العلمية الدقيقة، ولعل أهمها العامل السياسي الحالي الحائل دون تطبيق الإدارة الذاتية.
وتلا جلستي العرض، حلقات حوارية عن تفعيل دور العلاقات العامة في الجامعات وتنظيم الحياة الجامعية. وكانت البعثة الفرنسية قد افتتحت ورش العمل في المعهد العالي للأعمال بحضور وزير التربية والتعليم العالي الدكتور خالد قباني الذي تحدث عن ضرورة إصلاح نظام التعليم العالي والتحضير لمشاريع قوانين ووضع استراتيجيا جديدة للتعليم العالي.
من جهته، أكّد سفير فرنسا في لبنان برنار إيمييه «أولوية الشراكة الفرنسية مع الجامعات اللبنانية التي تتخذ أهمية استراتيجية بالنسبة إلى فرنسا». وتحدّث رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي باتريك لوران عن أهداف برنامج أراموس «الذي صمّم لتسهيل تنقل الطلاب داخل المساحة الأوروبية، وفتحها أمام البلدان الشريكة ولا سيّما لبنان، الذي استفاد منه منذ عام 2005 عبر المنح التي تعطى للطلاب للدراسة في الجامعات الأوروبية».