غسان سعود
  • انتشار الأسماء السياسية وانحسارها رهن بمستويات التشنج

    لا يعدّ إطلاق أسماء سياسية على المواليد الجدد ظاهرة،
    لكن الجديد الذي تكشفه إحصاءات أقلام النفوس في عدد من المناطق يشير إلى أن هذه الأسماء باتت عابرة للطوائف. فهل يعكس هذا الأمر ظاهرة صحية أم أنه دليل إضافي على الحجم الكبير للانقسام السياسي؟


    آخر ما كانت تتوقعه السيدة أنطوانيت أن تصبح كنيتها «أم حسن» بعد قرار مفاجئ من زوجها بتسمية مولودهما الأول حسن نصر الله، وهي التي كانت ترغب في تسميته بيار، “ليس لاعتبارات سياسية، لكن تيمناً بأحد أصدقاء العائلة”. تقول أنطوانيت إن زوجها يؤيّد حزب الله منذ بضعة أشهر فقط “لكني لم أتخيّل أن يكون قد وصل إلى هذه المرحلة من الإعجاب بالسيّد”.
    أما سمير المدهون، الذي ينتظر ولادة ابنه بعد أسابيع، فهو مصمّم على تسمية ابنه “السنيورة”. ويجزم بأن الأحداث الأخيرة، ستجعل اسم “السنيورة” الأكثر رواجاً بين اللبنانيين، وخصوصاً “أنه الرجل الأكثر شعبية”.
    لا يشكل سمير وأنطوانيت حالة خاصة في لبنان، الذي تتكاثر فيه مجدّداً الأسماء ذات المدلول السياسي المحلي. أسماء تختلف باختلاف المناطق والانتماءات. ولا يبدو أن الأهالي يتعبون كثيراً في الوصول إليها بخلاف أغنية فيروز الشهيرة “أسامينا، شو تعبوا أهالينا تـَلِقيوا أسامينا”.

    من “رفيق” إلى “السنيورة”

    يعود مختار طريق الجديدة ناصر العرب سنتين إلى الوراء ليكشف أن معظم أسماء المواليد في الشهور الأولى التي تلت استشهاد الرئيس رفيق الحريري تراوحت بين رفيق للذكور، وبهية أو نازك للإناث “بحيث تجاوز عدد الأطفال الذي سُمّوا “رفيق” بين شهري شباط ونيسان 2005 الثلاثين”. لكن هذه “الموضة” لم تُعمّر أكثر من شهرين، وعاد الناس إلى تقاليدهم العائلية والمذهبية.
    غير أن التشنّج السياسي الحاد، بحسب عدد من مخاتير طريق الجديدة، غيّر المعادلة مجدداً، لينتشر اسم “سعد” و“سعد الدين” بين المواليد الجدد. وتفيد إحصاءات الأشهر الثلاثة الأخيرة في قلم النفوس في بيروت، بأن هناك مولودأً يُسمّى “سعد” كل ثلاثة أيام، كما سجلت تسمية خمسة أطفال في طريق الجديدة باسم “السنيورة” خلال الشهرين الماضيين.
    أما في المتن فيزداد، بحسب قلم النفوس، إطلاق اسم “بيار” على المواليد الجدد. وبلغ عدد المواليد الذين حملوا اسم “بيار” في جبل لبنان، منذ استشهاد الجميّل وحتى اليوم، قرابة العشرين. وخلافاً لما يشاع في المختارة عن وجود أكثر من خمسة عشر مواطناً يحملون اسم تيمور، يؤكد مختار البلدة خالد حسن الدين، أن “ليس هناك تيمور واحد في المختارة غير تيمور وليد جنبلاط”.
    وتخطّى عدد المواليد الجدد الذين حملوا اسم “سعد” في مدينة طرابلس وضواحيها، خلال السنتين الفائتتين، الأربعين. فيما حلّ اسم فؤاد في المرتبة الثانية (قرابة الثلاثين)، ومصباح في المرتبة الثالثة (قرابة الخامسة والعشرين). وتفيد لوائح دائرة النفوس في طرابلس بأن اثني عشر مواطناً أطلقوا على أبنائهم، خلال الأشهر الستة الماضية اسم “سنيورة”.
    ويروي أحد مخاتير الميناء أن عائلة مسيحية أطلقت على ابنها اسم “حسن نصر الله” ليصبح اسمه “حسن نصر الله جوزيف الحزوري”، فيما أطلق ثلاثة أشخاص على أبنائهم اسم “14 آذار” في المنية، وهو اسم يشكّل بحسب أحد المخاتير موضة الموسم ويثبت حجم الولاء “لخط 14 آذار”. وقد تكرّر إطلاق اسم “14 آذار” لدى عائلتين تقيمان في البرازيل، وفق ما تدلّ عليه سجلات دائرة النفوس في بيروت.
    واللافت خلال الشهرين الماضيين دخول الرئيسين صدام حسين ومعمر القذافي لائحة الأسماء في الشمال، حيث ورد بين مواليد الشمال خلال شهري كانون الثاني ــــــ يناير وشباط ــــــ فبراير الفائتين، وبحسب دائرة نفوس طرابلس “5 صدّام، و3 معمّر”. ويلاحظ الإقبال المرتفع على اسم “آدم” حيث سُجّل في دائرة “نفوس بيروت” خلال شهري كانون الثاني وشباط قرابة ثلاثين اسماً.
    يبدو واضحاً من ملفات المواليد في أقلام النفوس، وآراء المخاتير، أن أهالي المدن هم أكثر حماسة من أهالي القرى في إطلاق أسماء السياسيين على أولادهم. ففي بشري مثلاً يُجمع المخاتير غلى أن مجتمعهم “محافظ” ويتمسك بالتقاليد. لذلك يُطلق الأهالي على أطفالهم اسماً “من العائلة”. كما تحظى الأسماء الدينية المسيحية بوجود قوي في بشري، ويسجل أن 83 بشراوياً من مواليد سنة 2006 في هذا القضاء سُمّوا شربل، 37 مارون، و14 بولس.
    في المقابل، تشير الإحصاءات في بلدة بنشعي إلى أن قرابة ثمانين بالمئة من المواليد، حملوا اسم “سليمان” خلال السنوات الأربع الماضية. وكان الوزير السابق سليمان فرنجية قد أطلق على ابنه اسم “بشار”، وفاءً للرئيس السوري بشار الأسد.

    رعد ووعد وزلزال

    أما في الجنوب، ولدى أبناء الطائفة الشيعية، فقد درج إطلاق الأسماء المستوحاة من الأسلحة التي تستعملها المقاومة، ولا سيما بعد العدوان الإسرائيلي الأخير. ولم ينس اللبنانيون إحدى أبرز قصص الحرب عن الطفلة وعد التي وُلدت في قرية جنوبية في أيام العدوان الأولى تيمّناً بوعد السيد حسن نصر الله الصادق. ولاحقاً، لجأت الأسرة إلى الشياح، حيث أغارت الطائرات الإسرائيلية في 7 آب، لتقضي على “وعد” وهي في يومها الثاني عشر.
    وتفيد المعلومات بأن الأسماء الجديدة تراوحت بين الوعد الصادق (4)، وعد (9)، رعد (2)، زلزال (3)، حسن نصر الله (8)، وجهاد (13). وبعد “الانتصار”، سجل في دائرة نفوس الجنوب، خلال شهر أيلول، أكثر من عشرين مولوداً، حملوا اسم “انتصار”. ويلفت أحد الموظفين في قلم النفوس في صيدا إلى أن كثيرين يطلقون اليوم على أبنائهم أسماء مركّبة مثل “حسن نصر الله”، “رفيق الحريري”، و“نبيه بري”، لكنه لم يستطع أن يحصيهم.
    وفي الهرمل، نجد أن مواليد شهر شباط المسجّلين سمّوا: حسن (4)، هادي (3)، نصر الله (2)، علي (2)، جهاد (2) كريم، يامن، مازن، بشار، رواد، ريّان، حمزة. وفي بعلبك، يفتخر أحد موظفي قلم النفوس باسمه فؤاد “اسم على مسمى، ما في مثل فؤاد زعيم”. ويقول إن أكثر الأسماء التي وقع عليها الاختيار في الأسابيع الماضية كان حسن عند الشيعة، وسعد عند السُّنة.
    ويقول مصطفى إن هذه الأسماء تكتسح السوق بفضل الدعاية. ويلفت زميله في الدائرة إلى أنه بعد سماع الوزير السابق وئام وهاب يرد على النائب وليد جنبلاط قرر أن يطلق على ابنه اسم “وئام”، ما لم يكن متوقعاً أبداً بالنسبة إليه.
    وحدها زحلة تخرق قاعدة الأسماء المسيّسة حيث تطغى، بحسب قلم النفوس، أسماء الممثلين الأجانب والمغنين على السياسيين. وكانت قد درجت، في منتصف التسعينيات، موضة الأسماء المكسيكية مثل خوان، كارلوس، ماريا وغيرها. وسجل بين عامي 1996 و 2000 إطلاق أربعة عشر اسماً مكسيكياً على المواليد الثمانية والسبعين في بلدة الجديدة العكارية.

    زلفا الشمعونية

    هذه الأسماء التي تحمل مدلولاً سياسياً تنعكس على حامليها في أكثر من مجال، منها مثلاً الانتخابات الطالبية في الجامعات. حيث يذكر أحد الطلاب أن عدداً من مسؤولي “حزب الوطنيين الأحرار” في الجامعات كان يطلب من مندوبي الحزب التدقيق في لوائح الطلاب لمعرفة من يحمل أسماء داني ودوري وزلفا، لأنهم “سيكونون حتماً مؤيدين للحزب”.
    في المقابل، يرى مختار الطريق الجديدة سعد الدين إدلبي أن ظاهرة اختيار الأسماء تيمناً بالسياسيين غير موجودة، “الأمر لا يتعدى المصادفات”. ويتكرر هذا الكلام على لسان مختار المدوّر أنطوان بحسي الذي يشير إلى أن أهالي الجميزة مثلاً، الذين رفعوا بمعظمهم صور الزميلة مي شدياق والشهيد بيار الجميل، لم يختاروا هذين الاسمين لأولادهم. “لم يسجل أي “مي” بين مواليد المدوّر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهناك نحو أربعة أطفال فقط في المدوّر سُمّوا “بيار” منذ استشهاد الوزير بيار الجميّل”.
    بين هذا الاسم وذاك، ينصح القانونيون بضرورة تآلف المواطنين مع أسمائهم التي تحدد هويتهم الشخصية، لأن تغيير الاسم غير جائز إلا إذا وجدت دوافع جديّة تقنع المحكمة. ومن هذه الدوافع الرغبة في تفادي حرج وارتباك يسببه الاسم لحامله، تغيير الدين، أو تفادي عار يسببه أحد أفراد العائلة. فهل يصل “رعد” و“سنيورة” وغيرهم إلى يوم يطلبون فيه تغيير أسمائهم لتوافر “دوافع جديّة”، أو يكون “الابن سر أبيه” كما درجت العادة؟




    هل يحبون أسماءهم؟

    تنعكس الأسماء بالضرورة على حامليها، سلباً أو إيجاباً. هذا ما يجمع عليه عدد من حاملي الأسماء المسيّسة. فتقول تروي لوركا سبيتي إنها تأثرت كثيراً باسمها وبحثت عن الأسباب التي دفعت والدها إلى اختياره، لتنشغل بعدها بقراءة أشعار الشاعر الإسباني لوركا، “وحين تعرّفت إليه أكثر، كيف عاش ومات، وكيف ابتدع مدرسة في الشعر شعرت برغبة في أن أشبهه، وزاد حبي لاسمي”. ويوضح والدها سبب اختياره لاسمي ولديه لوركا وفيديل: كان اسم فيديل الذي تزامن تاريخ ولادته في 27 نيسان 1976 مع دخول القوات الكوبية إلى أنغولا لدعم النظام الثوري فيها، تحية إلى الرئيس الكوبي “كاسترو”. أما اسم لوركا فكان عبارة عن تحية للشاعر، ورغبة في الخروج من الأسماء المتداولة، “وخصوصاً أن الحرب الأهلية كانت مستعرة وكان لا بد من اختيار أسماء تنقذ الأولاد من القتل على الهوية”، أو تنقذهم من التمييز الذي عانت منه الشاعرة سوريا بدوي “تتغّير ملامح الكثيرين عندما يسمعون اسمي”. مؤكدة أن اسمها انعكس عليها أخيراً بشكل سلبي، وخصوصاً بعد أن أصدرت كتابها الأخير “كثيرون لم يشتروا الكتاب، أو حتى يتصفحوه بسبب اسمي”.
    هذا الأمر لم يشكّل هاجساً لجنان أبو ضاهر التي أطلقت على ابنها في عام 2003 اسم “إميل” تيمناً برئيس الجمهورية إميل لحود. وتؤكد أن اشتداد الحملة على الرئيس لحود لم تجعلها تندم أو تغيّر رأيها “وسيبقى الاسم ذكرى لرئيس لن يعرف المجتمع اللبناني مثيلاً له”. وتلفت أبو ضاهر إلى اهتمام “إميل” الصغير بمتابعة الوضع السياسي ومعرفته مؤيّدي الرئيس وخصومه وهو “يدافع عن لحود بحدة، رغم أنه لم يتجاوز السنة الرابعة من عمره”.




    بالأرقام: الدين أوّلاً

    توضح دراسة أعدتها “الدولية للمعلومات” بحسب سجلات الناخبين اللبنانيين المسجلين في عام 2004، أن الأسماء الدينية تحتل الحيّز الأكبر في اختيار اللبنانيين لأسماء أبنائهم. وتكشف أن عدد اللبنانيين الذين يحملون أسماء ذات مدلول ديني يصل إلى 564638 لبنانياً، وهي تتوزع على الشكل الآتي: 80644 محمد، 60190 علي، 66587 حسين وحسن، 48020 فاطمة، 45851 مريم وماري وماريا، 46387 يوسف وجوزيف وجو، 33179 إلياس وإيلي وإيليا، 25066 زينب، 15552 خالد، 14028 أنطوان، 9111 شربل، 6913 عمر، 4566 بيار، 4548 مارون، 334 حواء، و 64 آدم.
    كما تحظى أسماء السياسيين المسيحيين بانتشار واسع، إذ تكشف الدراسة أن 3694 من اللبنانيين يدعون داني، 597 دوري، و1999 بشير. وأظهرت دراسة أعدّها الأكاديمي جورج فرح في كندا، أن 10% من الجيل اللبناني ــــــ الكندي الجديد (أقلّ من 30 عاماً) يحملون اسم بشير.
    أما بالنسبة إلى أسماء الدول فتحصي الدراسة 637 مواطناً يدعون “سوريا” أو “سورية”، مقابل 206 فقط يدعون “لبنان”، 33 إيران، 26 بيرو، 15 أميركا، و12 فرنسا. كما يوجد 997 مواطناً (تتجاوز أعمارهم الـ24) يدعون باسل، 605 حافظ، 433 بشار، 54 سادات، و39 صدّام.
    أما بالنسبة إلى الزعماء الأجانب، فيوجد في لبنان 157 غاندي، 60 ديغول، 58 رومل، 26 كينيدي، 26 نابليون، 20 بابلو، 12 فيديل، 12 هتلر، 10 لينين، 8 كاسترو، 8 غيفارا، 7 كليوبترا، 6 ماركس، 4 ستالين، و1 موسوليني.
    وللأسماء الفنية مكانتها أيضاً، فتحصي الدراسة 5825 صباح، 1336 أسمهان، 1329 فيروز، 581 عبد الحليم، 450 عبد الوهاب، 399 شاديا، 392 داليدا، 29 أم كلثوم، 16 مظفر، 14 سقراط، 14 ليوناردو، و2 لامارتين ومتنبي واحد.