الدوحة ــ فاتن الحاج
تشهد العاصمة القطرية الدوحة أوّل مؤتمر إقليمي في سلسلة المؤتمرات التي تنظمها اليونسكو لدعم محو الأمية في العالم. وقد استضافت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع المؤتمر تحت عنوان «تحديات محو الأمية في المنطقة العربية ـــ إقامة الشراكات وتعزيز النهوج الإبداعية»

يظهر التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع عام 2007 أنّ 34 في المئة من الراشدين العرب أمّيون، فيما تتفاوت نسبة الملمّين بالقراءة والكتابة من بلد عربي إلى آخر، إذ تقل عن 60 في المئة في كل من موريتانيا والمغرب واليمن، بينما تفوق الـ90 في المئة في كل من الأردن والكويت وقطر. إذاً، فإنّ ثلثي الراشدين في الدول العربية، بحسب التقرير، يستطيعون القراءة والكتابة مع الفهم، علماً بأنّ العدد المطلق لكبار الأميين انخفض من نحو 64 مليوناً إلى 58 مليوناً بفضل جهود المنظمات الدولية والإقليمية ووعي الحكومات العربية لخطورة المشكلة. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه نحو الانخفاض وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ، بحيث يصل عدد الأميين إلى 55 مليوناً بحلول عام 2015. ومع ذلك، يستبعد التقرير أن يتحقق هدف حركة التعليم للجميع في عام 2015، ما لم توّسع الحكومات برامج محو الأمية بدرجة كبيرة، وتتصدى لمشكلة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس الذين يصل عددهم إلى نحو 6.5 ملايين طفل. يذكر أنّ سن الأميّة يبدأ من السادسة عشرة بحسب المقاييس العالمية.
وفي هذا الإطار، تجهد منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» لمواجهة التحدي، ضمن عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية 2003 ـــ 2012. وتشهد العاصمة القطرية الدوحة في هذه الأثناء أول مؤتمر إقليمي في سلسلة المؤتمرات التي تنظمها اليونسكو لدعم محو الأمية في العالم. وقد استضافت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع المؤتمر تحت عنوان «تحديات محو الأمية في المنطقة العربية ـــ إقامة الشراكات وتعزيز النهوج الإبداعية». ويوضح مساعد مدير عام اليونسكو للتربية حول محو الأمية بيتر سميث أنّ العقد يهدف إلى حشد الجهود لمحو أمية الفرد، وستسعى اليونسكو لدمج البحوث والدراسات في البلدان العربية في برامج عملها للاسترشاد بالممارسات، ومن ثم تطويعها وفقاً للأوضاع الخاصة بكل بلد. من جهته، يوضح مدير مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت الدكتور عبد المنعم عثمان أنّ الهوّة في محو الأمية تزداد بين الرجال والنساء والبدو والحضر والأغنياء والفقراء، وإن كانت النسبة العامة تشير إلى انخفاض نسبة الأمية. ويؤكد أنّ المسؤولية تقع على عاتق الحكومات والقطاع الخاص على حد سواء، وخصوصاً أنّ محو الأمية لا يندرج ضمن أولويات الحكومات.
أما تجارب الدول فقد عرضت ضمن طاولات مستديرة تناولت سياسات محو الأمية واستراتيجياتها وتكاليفها وتمويلها، إضافةً إلى برامج محو الأمية لجهة تطوير المناهج والمواد وطرائق التدريس وتدريب العاملين في هذا المجال. كما عقدت حلقات نقاشية حول محو الأمية عند الطفل والأم والتعلم المشترك للأجيال وسبل محو الأمية عبر ابتكار البيئة التربوية ووسائل الإعلام وعلاقة هذه العملية بالصحة والاكتفاء الذاتي الاقتصادي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وكانت الحلقات قد انطلقت بعد جلسة افتتاحية في فندق الفور سيزون، تحدثت فيها رئيسة مؤسسة قطر الشيخة موزة بنت ناصر المسند فرأت أنّ مأسسة القرائية تحتاج إلى إرادة سياسية تقدّس دور المواطن وتعترف بمكانة المجتمع ودوره من خلال بناء شراكات واسعة مع منظمات المجتمع المدني. وأكدت أهمية ألّا يتسم محو الأمية بالظرفية والنخبوية وأن لا يعطي اعتباراً للفروق الجنسية أو الاجتماعية. ودعت الشيخة موزة إلى إعادة رسم سياسات لا تراعي المصالح الأمنية، معتبرةً أن حال التعليم في العراق يعد نموذجاً حيّاً لما يمكن أن يترتب على بعثرة الأجندات والأولويات. وناشدت التضامن مع الطلبة الجامعيين والفاعلين التربويين في العراق، باعتبار هذا الأخير العمق الاستراتيجي للعقل العربي والإنساني.
من جهته، أكد المندوب الدائم لسلطنة عمان لدى اليونسكو موسى بن جعفر بن حسن أهمية توفير التعليم الأساسي للجميع من دون تمييز في الجنس والعنصر «فالتعليم الأساسي في البلدان العربية يحتاج إلى 6 ملايين دولار سنوياً، في حين يرصد ألف بليون دولار على الأغراض العسكرية، و300 بليون دولار على الترويج التجاري و500 بليون دولار على السجائر.
وأشار المدير العام لليونسكو كوشيرو ماتسورا إلى أنّ البلدان العربية أحدثت تقدماً كبيراً على طريق خفض مستويات الأمية خلال العقود القليلة الماضية، لكن عليها أن تبذل الكثير من الجهود لمواجهة التحدي المطروح، وهو القضاء التام على الأمية.
وتحدث ماتسورا عن مبادرة القرائية من أجل التمكين 2005 ـــ 2015 life التي تطبق حالياً في مصر والعراق وموريتانيا والمغرب والسودان واليمن، من أجل تغيير حياة الراشدين. ولفتت رئيسة أذربيجان الأولى إلى أنّ قضية التعليم ومحو الأمية التي يناقشها المؤتمر تتصل اتصالاً وثيقاً بالتحديات التي يواجهها العالم اليوم.
وأكدت عقيلة رئيس الجمهورية السوري أسماء الأسد أهمية عدم الاختباء خلف الإحصاءات والتعامل مع العموميات، مشددة على التركيز على محو الأمية في مجال التحليل والاستنتاج مع التزايد الهائل في المعلومات التي تنهال من وسائل الإعلام المختلفة.
وأكدت عقيلة رئيس الجمهورية اللبناني أندريه لحود أنّ الازدهار ومحو الأمية أمران متلازمان، وهما مرتبطان بتحقيق السلام العادل. وعرضت جهود المرأة اللبنانية في مجال محو الأمية ونشر العلم والمعرفة.
ويستمر المؤتمر حتى مساء اليوم الأربعاء، ويشارك فيه نحو 400 شخصية من مراكز القرار ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات ومعاهد البحث وأصحاب المهنة والجهات المانحة.