هل انتهى العرض؟
  • فايز فارس


    يبدو أن المربع الاستراتيجي لشرق أوسط جديد قد اكتمل بتوافق حتى لا نقول باتفاق ضمني بين الرياض وطهران وأنقرة والقاهرة. والمربع هو أفضل الأشكال الهندسية وأكثرها ثباتاً لإنشاء العمارة، أيّة عمارة، سياسية كانت أو اقتصادية. هناك من يعتقد أن هذه العواصم الشرق أوسطية الأربع كانت تتحضّر لهذ الدور الذي استحقته، وتستعد لهذه المرحلة التي وصلنا إليها اليوم. طلائعها برزت ومعطياتها فرضت نفسها تدريجاً منذ 11 أيلول 2001، وذلك لأن هناك حدوداً وكوابح تمنعك مهما علا شأنك من اللعب بالوقائع والأحداث التاريخيّة قديمها وحديثها، وتنهيك عند اللزوم عن التلاعب بالمعطيات الجغرافية بكل أبعادها مهما ملكت يداك من القنابل الصاروخية المدمّرة. هناك أيضاً من يعتقد أن إفلاس إدارة الرئيس بوش هو الذي دفع إلى الواجهة قادة هذه البلدان الكبرى والأساسية إقليمياً، بموافقة أو إشارة من هذه الإدارة المنهزمة. أصحاب هذا الرأي يقولون استناداً إلى العديد من المؤشرات والدلالات إن الرئيس بوش الذي سبق له أن أعلن عدم قبوله نتائج تقرير بيكر ــ هاملتون، يعترف في ديوانه الرئاسي ومجالسه الخاصة بصوابية ما تضمنه هذا التقرير من حقائق ووقائع مثبّتة، وأنه سيأخذ بكل توصياته. ولكن على طريقته الخاصة بإدارته وحفظاً لما تبقى له من ماء الوجه. هو لا يستطيع أن يرفع العشرة ويسلّم بالأمر الواقع من دون مراعاة بعض المظاهر والشكليات عبر إطلالاته النجومية وخطاباته المنصوصة وغيرها من التصريحات المحرجة المنقولة في أغلب الأحيان عبر وسائل الإعلام الأميركية والعربية والعالمية. هنا يجدر بنا القول إن جميع الشركاء في إدارة اللعبة منذ 11 أيلول 2001 أي جميع أطراف النزاع محلياً وإقليمياً ودولياً، قد أدّوا أدوارهم على أفضل ما يكون بين مهاجم ومدافع وصامد ومحاور ومناور ومفاوض وشتّام ومسافر وعائد ومهاجر ومقيم. ويجدر بنا أن نسأل إذا كنا سنشهد إعلاناً كاملاً للنتائج، ونسمع عن جردة حساب ومحاسبة ومساءلة واستقالات وانسحابات قبل أو بعد إعلان وقف العمليات، كل العمليات المشروعة وغير المشروعة، وصدور قرار جديد عن مجلس الأمن الدولي؟ أم سنرى قادتنا إلى جانب قادة هذا الشرق الأوسط الجديد وقادة هذا العالم الحرّ، يلتقون في شرم الشيخ أو الطائف أو بيروت، في حفل مهيب أمام جيش من المصورين، ليتصافحوا بشدّة ليس قبلها أو بعدها شدّة ويتعانقوا بحرارة ليس قبلها أو بعدها حرارة.. ويعلنون في بيان موقّع منهم أنهم اتفقوا على نسيان الماضي الأليم وطيّ صفحة الحروب التي صنعوها بأيديهم والتي حصدت مئات الألوف خلال ثلاثة عقود مضت؟
    للمرّة العاشرة بعد المئة نقول لكم يا سادة يا كرام، وباسم الأكثرية الفعليّة كمّاً ونوعاً، إننا قررنا طوعاً، ومنذ زمن ليس بالبعيد، أن ننسى ونسامح ونغفر. لكنّنا نطالبكم بالمقابل بأن تتخلوا عن لغتكم الخشبية وخطاباتكم الفارغة لأننا لم نعد نتحمّل أكثر مما تحمّلنا. هذه المرّة نطالبكم، وهذا أضعف الإيمان، أن تطلّوا علينا بشكل «مباشر» وتقدموا لنا وبلغة ديموقراطية سيادية استقلالية حقيقية، برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً إنمائياً إصلاحياً حقيقياً وقابلاً للتنفيذ ابتداء من اليوم التالي لإعلانكم بأن الأزمة قد انتهت وانتهى معها عرض «الفيلم الأميركي العربي الإيراني الطويل». وليبقى في الميدان من يستحق البقاء بعد كل هذه الفوضى الخلّاقة للكوارث والزلازل والصواعق، وليرحل عن البلد من يعتقد في قرارة نفسه أنه لم يعد صالحاً للعمل الجدي من أجل بناء غد أفضل... لأننا تعبنا فعلاً.
    تعبنا من دعم أميركا للسنيورة لأن كلام رئيسها المعسّل لم يجلب لنا سوى الدبابير. تعبنا من دعم فرنسا لحكومة لبنان المبتورة لأن دعمها أغرقنا في الديون إلى درجة الاختناق. تعبنا من روسيا لأن مواقفها تتبدل ثلاث مرات في اليوم الواحد. تعبنا من بريطانيا العظمى لأنها أصبحت صغرى المستعمرات الأميركية. تعبنا من ألمانيا لأنها أسيرة أرشيف الهولوكوست. تعبنا من إيطاليا لأنها تذكّرنا بالأمير فخر الدين. تعبنا من الإرشاد الرسولي لأن الجميع تصفّحه وقَبِلَ به ما عدا «زعماء» الموارنة في لبنان. تعبنا من الشقيقة لأنها فشلت خلال ثلاثين سنة في وصايتها على لبنان واللبنانيين. تعبنا من المملكة العربية السعودية وأخواتها لأنه ليس بالخبز والحجر وحدهما يحيا الإنسان في لبنان. تعبنا من العراق لأنه تلبنن وصار علينا أن نتعرقن. تعبنا من البطاطس المصرية لأنها لا تكفي لإشباع اللبنانيين. تعبنا من الثورة الفلسطينية لأنها تلتهم أبناءها بعدما افترست كل من ناضل من أجلها في لبنان والعالم العربي... تعبنا من...