صور ــ آمال خليل
باع التيار الوطني الحر طويل في تاريخ 14 آذار. تاريخ واحد سجّل نفي التيار ثم عودته ثم اقتحامه البرتقالي لمناطق وجماعات لم تكن له. أنصار التيار الأوائل لهم تاريخ 14 آذار بكل ألوانه، فيما لأنصاره الجدد تواريخ أخرى تربطهم بالتيار: اتفاق 6 شباط وعدوان تموز واعتصام المعارضة

يشبّه أسامة الحسيني وضعه بعد إشهاره انتماءه العلني إلى التيار الوطني الحر في بلدته جنّاتا في قضاء صور، «كمن يقبض على الجمر وينتظر تنفيذ التهديدات الكثيرة في حقّه التي تلقّاها من أطراف عدة». لأن أسامة الذي عيّنه الجنرال عون لاحقاً منسّقاً للتيار في قضاء صور، انتسب إليه قبل تبدّل الظروف وعودة قيادته من المنفى. ويشرّح أسامة الأسباب التي جعلته يختار «الانضمام إلى صفوف التيار الممنوع في حينه»، فيقول إنه «نشأ في بلدة لا تختلف خريطتها السياسية والحزبية عن معظم قرى المحيط، حزبان مسيطران وبقايا أحزاب يسارية علمانية ساهم الحزبان في ضربها وتشتيتها». ولأنه رفض نهج الحزبين القويين، فيما لم يجد أحزاباً شيوعية متماسكة، وجد ضالته «في خط التيار المستقل والعلماني والإصلاحي». ولا ينكر أسامة «أن حلفاء اليوم كانوا من أشد المناوئين والمتوعدين له بالأمس».
يرسم ماهر باسيل، منسّق التيار في الجنوب، الخط البياني التصاعدي الذي يشهده التيار، «أقلّه، منذ 14 آذار من عام 2005 في الجنوب». ويتوقف بإسهاب عند ثلاث محطات مفصلية «رفعت التيار من مرتبة إلى مرتبة أعلى، وزادت من مناصريه الذين ينتمون إلى بيئات مختلفة».
كسر تحالف 6 شباط من عام 2006 بين حزب الله والتيار، حاجزاً وهمياً بين اللبنانيين. ويؤكد باسيل أن «الجنوبيين، مسلمين ومسيحيين، هم أكثر من يدرك أنه حاجز وهمي». ثم كان عدوان تموز الذي «سمح باحتكاك اللبنانيين أو أنصار فريقي حزب الله والتيار، بعضهم ببعض وسهّل الاندماج الذي زادت رقعته مع اعتصام المعارضة المفتوح». في المقابل، يقرّ باسيل بأن «توزّع النسب بين المنتسبين في الأقضية لا يزال كلاسيكياً. مرتفع في البلدات الحدودية ومنطقتي جزين وشرق صيدا، لكنه يشهد تنامياً ملحوظاً في القرى الجنوبية (النموذجية) ينزع عنه تدريجاً الصبغة المسيحية التي عرف بها».
من جهته، إبراهيم سعد مسؤول منطقة صور في الحزب الشيوعي اللبناني الذي يتقاطع مع التيار في الإصلاح والعلمانية، يرى «أن ظاهرة تمدّد التيار في المناطق المستجدة لديه، وخصوصاً الشيعية الجنوبية، يعود إلى الحراك السياسي الذي تمتّع به الناس فيها تاريخياً بين القوى الشيوعية واليسارية وحركة أمل، ثم الجو الإسلامي الممثّل بحزب الله، قبل أن تنحصر الخريطة السياسية لاحقاً بالحركة والحزب».
ينتسب إلى التيار عشرات الجنوبيين، ومعظمهم من الشباب، عبر موقع التيار على الإنترنت أو تعبئة الاستمارات مباشرة عبر منسّقي البلدات والأقضية.
محمد عثمان (25 سنة) من دير قانون النهر، تأثر بشخصية الجنرال مذ كان في التاسعة من عمره «عبر مشاهدة خطاباته في التلفزيون وعبر حديث أقاربه عنه الذين تهجّروا إلى بلدتهم إثر اندلاع حربيْ الإلغاء والتحرير». لم يتأثر محمد «بالأقربين اللذين لا ثالث لهما في البلدة»، بل لطالما دافع عن الجنرال المنفي في دير قانون «المختلفة»، حتى في خطابه أمام الكونغرس الأميركي حينما «طالب باستقلال لبنان وسيادته كل الدول».
محمد مونّس (19 سنة) المترعرع في الجنوب، «مش قابض التيار جد»، بل يرى «أن اندفاع الشباب نحو التيار هو فورة أو موضة ليس إلا، تنطفئ تدريجاً، لأن الطبع سيغلب التطبّع، فنحن محكومون بعصبية عائلية ثم مذهبية ثم حزبية». بالنسبة إليه، لا يلبّي التيار «طموحه كشاب جنوبي، مقارنة مع حزب الله الذي تربّينا على نهجه العقائدي واستفدنا من نظامه الخدماتي في المؤسسات التربوية والصحية، فيما لم نر شيئاً من التيار حتى الآن. وبما أن حزب الله يوفّر الأمن والخدمات فلماذا أنتمي إلى حزب سواه؟!»، مؤكداً أن «أولوية الجنوبي هي المقاومة، فيما أولوية التيار هي العلمانية والإصلاح، وهو لم يحدد موقفه صراحة من المقاومة وسلاحها».
أما حسين زلزلي (20 سنة) الذي انتسب إلى التيار قبل سنة واحدة، فإنه يعيش الآن تجربته الحزبية الثانية. لكنه يرى «فرقاً كبيراً بين التجربتين، وخصوصاً في المعاملة والانفتاح والتنوّع». وحسين كالكثير من رفاقه، كان «ضد الجنرال عون حتى بعد عودته من المنفى، إلى أن انقلب على قوى 14 آذار وانضم إلينا». يتمسّك حسين ببنود التيار ولا سيما الإصلاح والعلمانية. فما هي العلمانية؟ يستغرق حسين في الإجابة قبل أن يقول إنها «كل واحد على دينو...».